أما الإشكال الثاني: فيرتفع ببيان أن لهذا نظائر في القرآن بحسب اختلاف القراءة بالنفي أو الإثبات فيختلف المعنى تبعاً لذلك، وكل قراءة لها معنى صحيح (?).
فمن ذلك قول الله تعالى: وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ [إبراهيم: 46] ففي لتزول قراءتان: الأولى: بفتح اللام الأولى ورفع الثانية (لَتزولُ)، والقراءة الثانية بكسر اللام الأولى ونصب الثانية (لِتزولَ) (?).
فعلى القراءة الأولى تكون (إِنْ) مخففة من الثقيلة، والهاء مقدرة، أي: وإنه كان مكرهم، واللام في (لَتَزُولُ) لام الابتداء، فالمعنى: إن مكرهم يبلغ في الكيد إلى إزالة الجبال، فهذا مثل ضرب لبيان أنهم يريدون إزالة هذا الدين، ولكن بين الله في كتابه أنهم لا يستطيعون ذلك.
وعلى القراءة الثانية تكون (إِنْ) نافية، واللام – لام الجحود – مؤكدة لهذا النفي، والجملة على هذا تكون حالاً من الضمير في (مكروا) أي والحال أن مكرهم لم يكن لتزول منه الجبال (?).
فاتضح من هذا أن كلا القراءتين لها معنى وهو صحيح بحسبها. فلهذا يقال: إنه لا يستغرب إذا وجد ذلك في آية آل عمران، فالوقف صحيح باعتبار، وكذلك الوصل – والله أعلم -. وعلى قراءة الوقف لا يجوز أن يدعى أن نصوص الصفات لا يمكن تفسيرها وفهم معانيها، وذلك للآتي:
1 - إن السلف تواتر عنهم تفسير كل القرآن بما في ذلك آيات الصفات، كما قال مجاهد: (عرضت المصحف على ابن عباس ثلاث مرات أوقفه عند كل آية) (?).
2 - ولأنه قد تبين على قراءة الوقف أن التأويل المراد به: الحقائق العينية للمخبر عنه – فلا يمكن العلم بالكيفية – جمعاً بينها وبين قراءة الوصل الدالة على معرفة المعنى فقط دون الكيفية، وقد أثر الأمران عن ابن عباس رضي الله عنهما ومتى ما أمكن الجمع فالمصير إليه أولى من الترجيح.
3 - إنه قد جاء الأمر يتدبر القرآن كله وفهم معانيه، وهذا شمل نصوص الصفات قطعاً.
4 - وأنه لو سلم أن في القرآن ما لا يمكن معرفة معناه، فلا يسلم ذلك في نصوص الصفات إذ يلزم من القول بذلك تعطيل الخالق سبحانه وتعالى من صفاته (?). منهج أهل السنة والجماعة ومنهج الأشاعرة في توحيد الله تعالى لخالد عبد اللطيف– 2/ 463