السؤال الثاني: وملخصه: لماذا منّ الله سبحانه وتعالى بالهداية على المؤمنين، دون الكافرين، وإذا كان – تعالى- قد بين طرق الهدى للناس، فلماذا أعان المؤمن حتى أصبح مؤمناً طائعاً، ولم يعن الكافر فأصبح عاصياً كافراً؟
وجواب ذلك كما يلي:
1 - أن الزعم بأن منة الله بالهداية على المؤمنين دون الكافرين ظلم منه، باطل لأمرين:
أحدهما: أن هذا تفضل من الله، كما قال تعالى: يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُل لَّا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُم بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ [الحجرات:17] وكما قالت الأنبياء: إِن نَّحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللهَ يَمُنُّ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ [إبراهيم:11]، فتخصيص هذا بالإيمان كتخصيص هذا بمزيد قوة وعلم، وصحة، وجمال، ومال، والله – سبحانه وتعالى- قد تفضل على جميع عباده بنعم جليلة لا تحصى، ولو عبدوا الله بأنواع العبادات والقربات طوال أعمارهم ليلاً ونهاراً لما جاءت إلا في مقابل جزء صغير من نعم الله وأفضاله عليهم، ولذلك فالله – تعالى- يدخل عباده الجنة برحمته لا بأعمالهم، وأعمالهم سبب لدخول الجنة لا بدل لها، فإذا تفضل على بعض عباده بالهداية كان ذلك له سبحانه، ولا يعد ظلماً.
والثاني: أن الظلم وضع الشيء في غير موضعه، والله سبحانه وتعالى إنما يضع العقوبة في محلها، فإذا بين سبحانه الهدى للناس جميعاً، وأقام الحجة عليهم, أقدرهم على الإيمان وعدمه, كان كل ذلك محض العدل منه، فحين يمن على بعض عباده بالإيمان ولا يمن على بعضهم لا يكون ذلك ظلماً منه سبحانه وتعالى (?).
2 - أن الله – سبحانه وتعالى – قد قامت حجته على من منعهم الهدى، وذلك بتخليته بينهم وبين الهدى، فالله تعالى قد أرسل لهم الرسل ليردوهم إلى الصراط المستقيم, ويدلهوهم عليه، كما أقام لهم أسباب الهداية ظاهراً وباطناً، ولم يحل سبحانه وتعالى بينهم وبين تلك الأسباب التي توصلهم إلى الهداية، فلم يكلف سبحانه الصغير والمجنون، فالله لم يمنعهم من الهدى، ولم يحل بينهم وبينه، وحين تكون الحجة قائمة عليهم لا يبقى لمعترض اعتراض على توفيق الله ومنته لبعض عباده بالهدى والتوفيق (?)، وكم لله سبحانه وتعالى من النعم على الكفار (?).
3 - أما قول من يقول: لماذا أعان المؤمن دون الكافر؟ فهذا باطل لوجوه:
أحدها: أن حقيقة هذا القول: لماذا لم يهد الله جميع الناس، وهذا فاسد لأن لله تعالى، حكماً عظيمة وجليلة في خلق الناس متفاوتين، ولو شاء سبحانه وتعالى أن يجمعهم على الهدى لجمعهم، ولكنه، تعالى لم يفعل لحكم عظيمة، ظهر بعضها للعباد, وبعضها لم ظهر (?).