الثاني: أن الإعانة من أفعاله تعالى, ومن ثم فما فعله سبحانه وتعالى فلحكمة, وما لم يفعله فلانتفاء الحكمة، أما الطاعة فهي من فعل الإنسان، وتعود مصلحتها له، فإذا أعان الله عبداً من عباده كان فضلاً منه، وإذا خذله كان ذلك عدلاً منه، ولما كان من المعلوم أن الله تعالى قد بين الهدى للناس وأقام الحجة عليهم، فحينئذ من أقبل على الله مؤمناً به مصدقاً برسوله، فالله تعالى يعينه على الهدى ويمكنه منه، أما من كذب رسله وأعرض عن هداه فإن الله تعالى يخذله ولا يمكنه من الهدى كما قال تعالى: وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى [فصلت:17]، فهم الذين استحبوا العمى على الهدى فعاقبهم الله بالخذلان, وسد أبواب الهداية عنهم عقوبة لهم (?) , (فإنه إذا دعا عبده إلى معرفته ومحبته، وذكره وشكره، فأبى العبد إلا إعراضاً وكفراً، قضى عليه بأن أغفل قلبه عن ذكره، وصده عن الإيمان، وحال بين قلبه وبين قبول الهدى، وذلك عدل منه فيه) (?).

الثالث: أن التكليف إرشاد وهدى، وتعريف للعباد بما ينفعهم في الدنيا والآخرة، فمن عرف أن هذا الفعل يضره وهذا ينفعه، فعليه أن يذل لله ويخضع له حتى يعينه على فعل ما ينفعه، ولا يقول: أنا لا أفعل حتى يخلق الله فيَّ الفعل، كما أنه لو هجم عليه عدو أو سبع فإنه يهرب ويفر ولا يقول: سأنتظر حتى يخلق الله في الهرب (?).

الرابع: أن إعانة الله تعالى للكفار قد تستلزم فوات محبوب له أعظم من حصول تلك الطاعة التي رضيها له، وقد يكون وقوع تلك الطاعة يتضمن مفسدة أكره إليه سبحانه من محبته لتلك الطاعة، ومثال ذلك، أن الجهاد في سبيل الله لا شك أنه طاعة، ولكن حين يفضي إلى بعض المفاسد التي ترتب على خروج المنافقين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نجد أن الله تعالى ثبط المنافقين لأنه كرهه منهم، قال تعالى: وَلَوْ أَرَادُواْ الْخُرُوجَ لأَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً وَلَكِن كَرِهَ اللهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُواْ مَعَ الْقَاعِدِينَ [التوبة:46] فأهم المفاسد المترتبة على خروج هؤلاء مع المؤمنين: زيادة المؤمنين خبالاً أي: فساداً وشرا، وإيضاعهم خلالهم بالسعي بينهم بالفساد والشر، وإرادتهم الفتنة، وفي المؤمنين سماعون لهم قابلون منهم، مستجيبون لهم، فينتج من سعي هؤلاء وقبول هؤلاء من الشرور والمفاسد ما هو أعظم من مصلحة خروجهم (?).

ومن هذا المثال يتضح أن لله حكماً حين يرضى لعبده شيئاً ولا يعينه عليه.

الخامس: أن الله خلق الإنسان وهو متمكن من الإيمان، قادر عليه، فلو أراده لفعله, فإذا لم يؤمن كان ذلك دليلاً على أنه لم يرده، لا بعجزه وعدم قدرته، لأنها موجودة، وحينئذ: (فمن أراد الطاعة وعلم أنها تنفعه، أطاع قطعاً إذا لم يكن عاجزاً، فإن نفس الإرادة الجازمة للطاعة مع القدرة توجب الطاعة، فإنها مع وجود القدرة والداعي التام توجب وجود المقدور) (?) ومن لم يرد الطاعة فإنه لا يفعلها، ولا يطلب أن يخلقها الله تعالى فيه ويعينه عليها، لأنه لو أرادها لفعلها (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015