د- وقيل: إنه حجه لأن آدم شهد الحكم وجريانه على الخليقة، وتفرد الرب - سبحانه وتعالى- بربوبيته، وقالوا: إن مشاهدة العبد الحكم لا يدع له استقباح سيئة؛ لأنه شهد نفسه عدماً محضاً، قالوا ومن شهد هذا المشهد سقط عنه اللوم، وهذا قول بعض الصوفية، ويقول عنه ابن القيم: (وهذا المسلك أبطل مسلك سلك في علم الحديث ... ولو صح لبطلت الديانات جملة، وكان القدر حجة لكل مشرك, وكافر, وظالم، ولم يبق للحدود معنى, ولا يلام جانٍ على جنايته، ولا ظالم على ظلمه، ولا ينكر منكر أبداً) (?)

هـ - وقيل: إنما حجه لأنه كان قد تاب من الذنب، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له، ولا يجوز لومه، وهذا لا يصح أيضاً لوجوه منها:

- أن آدم لم يذكر ذلك في جوابه, ولا جعله حجة على موسى، ومنها: أن موسى عليه الصلاة والسلام، أعرف بالله من أن يلومه على ذنب قد تاب منه (?).

وإذا تبين فساد هذه الأقوال فما هو الجواب الصحيح في معنى هذا الحديث؟

الجواب الصحيح: (أن آدم لم يحتج بالقضاء والقدر على الذنب، وهو كان أعلم بربه وذنبه، بل آحاد بنيه من المؤمنين لا يحتج بالقدر، فإنه باطل، وموسى عليه السلام، كان أعلم بأبيه وبذنبه من أن يلوم آدم على ذنب قد تاب منه، وتاب الله عليه, واجتباه، وهداه، وإنما وقع اللوم على المصيبة التي أخرجت أولاده من الجنة، فاحتج آدم بالقدر على المصيبة لا على الخطيئة, فإن القدر يحتج به عند المصائب لا عند المعائب) (?).

وقد ذكر هذا الجواب ابن القيم – رحمه الله – وحكاه عن ابن تيمية، ثم قال: (وقد يتوجه جواب آخر، وهو أن الاحتجاج بالقدر على الذنب ينفع في موضع، ويضر في موضع، فينفع إذا احتج به بعد وقوعه والتوبة منه، وترك معاودته، كما فعل آدم، فيكون في ذكر القدر إذ ذاك من التوحيد, ومعرفة أسماء الرب وصفاته وذكرها ما ينتفع به الذاكر والسامع، لأنه لا يدفع بالقدر أمراً ولا نهياً, ولا يبطل به شريعة، بل يخبر بالحق المحض على وجه التوحيد والبراءة من الحول والقوة، يوضحه: أن آدم قال لموسى، أتلومني على أن عملت عملاً كان مكتوباً عليَّ قبل أن أخلق، فإذا أذنب الرجل ذنباً ثم تاب منه توبة، وزال أمره حتى كأن لم يكن، ثم أنبه مؤنب عليه ولامه، حسن منه أن يحتج بالقدر بعد ذلك ويقول: هذا أمر كان قد قدر عليَّ قبل أن أخلق، فإنه لم يدفع بالقدر حقاً، ولا ذكره حجة له على باطل، ولا محذور في الاحتجاج به، وأما الموضع الذي يضر الاحتجاج به ففي الحال والمستقبل، بأن يرتكب فعلاً محرماً، أو يترك واجباً، فيلومه عليه لائم، فيحتج بالقدر على إقامته عليه وإصراره، فيبطل بالاحتجاج به حقاً, ويرتكب باطلاً كما احتج به المصرون على شركهم وعبادتهم غير الله) (?).

وهذا الذي ذكره ابن القيم جواب جيد، وإن كان ظاهره أنه يرجع إلى الجواب الأول، لأن من أذنب ذنباً ثم تاب منه، وجاء الخبر من الله أنه تاب عليه من هذا الذنب، فإذا كان قد ترتب على هذا الذنب عقوبة معجلة فهي من قبيل المصائب، والله أعلم.

هذا هو ملخص الرد على سؤال الاحتجاج بالقدر، وربما يدخل فيها بعض الأسئلة التي سترد فيما بعد، فلعل في هذه الإجابة ما يغني عن كثير من الأمور التي تحتاج إلى جواب.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015