القول الأول: تكاد تجمع المصادر على أن أول من قال بالقدر (معبد الجهني) , وأن ذلك كان بالبصرة في أواخر عهد الصحابة رضوان الله عليهم، وكل من ترجم لمعبد الجهني هذا قال عنه: إنه أول من تكلم بالقدر (?)، أو ابتدع القول بالقدر، ومعلوم أن المقصود إنما هو نفي القدر، ودليل هذا القول: رواية مسلم في صحيحه في الحديث المشهور فقد روى عن يحيى بن يعمر قال: (كان أول من قال في القدر بالبصرة معبد الجهني, فانطلقت أنا وحميد بن عبدالرحمن الحميري حاجين أو معتمرين, فقلنا: لو لقينا أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألناه عما يقول هؤلاء في القدر, فوفق لنا عبدالله بن عمر بن الخطاب داخلاً المسجد, فاكتنفته أنا وصاحبي, أحدنا عن يمينه والآخر عن شماله, فظننت أن صاحبي سيكل الأمر إلي، فقلت: أبا عبدالرحمن, إنه قد ظهر قبلنا ناس يقرؤون القرآن ويتقفرون العلم (وذكر من شأنهم) وأنهم يزعمون ألا قدر، وأن الأمر أنف ... ) الحديث (?)، وهذا يفيد أن معبداً هو أول من قال بالقدر.

وهناك من يقول: إن أول من ابتدع القول بالقدر رجل من أهل البصرة من المجوس اسمه (سيسويه) (?) وقال محمد بن شعيب الأوزاعي: (أول من نطق بالقدر رجل من أهل العراق يقال له: (سوسن) , وكان نصرانياً فأسلم ثم تنصر) وهؤلاء يقولون: إن معبداً الجهني أخذ عن (سوسن) القول بالقدر (?).

وقد يكون من المحتمل أن الفكرة من أساسها كانت عند هذا الرجل النصراني الذي تظاهر بالإسلام, أو عند هذا المجوسي سيسويه، ولكنه لم يستطع بشخصه أن يجاهر بها ويذيعها بين الناس لعدم ثقة الناس به، فتأثر به معبد الجهني الذي نطق بها علانية ونشرها, فاشتهرت عنه.

ويلاحظ أن اسم (سيسويه) و (سوسن) متقاربان، فلعلهما شخص واحد.

وهناك من المعاصرين من ينكر أي أثر للنصارى أو لرجل نصراني على معبد الجهني حول فكرة القول بالقدر، مدعياً (أن محاولة ربط عقائد أصحاب مذهب الإرادة الحرة بنصراني أسلم ثم تنصر محاولة غير صحيحة، سار عليها أصحاب الفرق المختلفة) (?).

وهذه دعوة لا يعتمد عليها في القضية، إذ المعتمد في النفي أو الإثبات إنما هو الروايات التاريخية في صحتها أو عدم صحتها، والكتاب نفسه ذكر في كتابه الذي قال فيه هذا الكلام فصلاً طويلاً عن أثر (المسيحية) في نشأة علم الكلام والفرق (?).

هذا هو القول الأول، وقد أخذ عن معبد الجهني قوله بنفي القدر شخص آخر اسمه غيلان الدمشقي ويعد ثاني من تكلم بالقدر.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015