وهؤلاء هم القدرية الأوائل الذين أنكروا القدر, وأنكروا علم الله السابق بالأمور، وهذا معنى ما في حديث مسلم أنهم: يزعمون ألا قدر, وأن الأمر أنف، أي: مستأنف لم يسبق لله - تعالى - فيه علم, وهؤلاء هم الذين تبرأ منهم من سمع بهم من الصحابة كعبد الله بن عمر، وأبي هريرة، وابن العباس، وأنس بن مالك، وعبدالله بن أبي أوفى، وعقبة بن عامر الجهني، وواثلة بن الأسقع، وغيرهم (?) , وهؤلاء أيضاً هم الذين قال فيهم الأئمة كمالك والشافعي وأحمد وغيرهم: إن المنكرين لعلم الله، القدرية يكفرون (?).

القول الثاني: أن أول ما حدث القول بالقدر في الحجاز، قبل معبد الجهني، وأن ذلك وقع لما احترقت الكعبة وعبدالله بن الزبير رضي الله عنه محصورا بمكة فقال أناس: احترقت بقدر الله تعالى, وقال: أناس لم تحترق بقدر الله (?).

القول الثالث: أن أول من نادى بالقدر في الشام هو (عمرو المقصوص) , وكان عمرو هذا معلماً لمعاوية الثاني, وأثر عليه كثيراً, فاعتنق أقواله في القدر، حتى إنه لما أن تولى الخلافة كان عمرو هذا هو الذي أثر عليه فاعتزلها حتى مات، ووثب بنو أمية على عمرو المقصوص وقالوا: أنت أفسدته وعلمته، ثم دفنوه حياً حتى مات, وهذا القول ضعيف، لأن معاوية بن يزيد كان رجلاً صالحاً، وعمرو المقصوص لم أجد من ذكر قصته من المؤرخين غير ابن العبري.

هذه هي أهم الأقوال في أول من قال بالقدر، ولا شك أن القول الأول هو أشهرها وأرجحها، ولا مانع أن تكون هناك أقوال مفردة قبل ذلك، ويكون كل قول هو الأول باعتبار البلد الذي ابتدئ القول بالقدر فيه، لكن الذي نشأ به القول الأول بالقدر وكان له رجال كانوا سبباً في نشره فيما بعد، هو ما بدأه معبد الجهني، وغيلان الدمشقي. القضاء والقدر لعبدالرحمن بن صالح المحمود - ص 177 - 120

ثم أخذ هذا المذهب عن معبد رؤوس الاعتزال وأئمته كواصل بن عطاء، وعمرو بن عبيد، وغيلان الدمشقي. فأما واصل بن عطاء رأس الاعتزال، فقد زعم أن الشر لا يجوز إضافته إلى الله، لأن الله حكيم، ولا يجوز أن يريد من العباد خلاف ما يأمر، ويحتم عليهم شيئاً، ثم يجازيهم عليه. وقرر في مقالته: أن العبد هو الفاعل للخير والشر، والإيمان والكفر، والطاعة والمعصية، وهو المجازى على فعله، والربُّ تعالى أقدره على ذلك كله. وذهب النظام من المعتزلة إلى أن الله لا يوصف بالقدرة على الشرور والمعاصي، وليست هي مقدورة لله.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015