الإيمان بالقدر أحد أصول الإيمان، وقد بيَّن هذا الكتاب والسنة مفهوم القدر، وبين الرسول صلى الله عليه وسلم أن العمل والأخذ بالأسباب هو من القدر ولا ينافيه ولا يناقضه، وحذر أمته من الذين يكذبون بالقدر، أو يعارضون به الشرع. وغضب الرسول صلى الله عليه وسلم غضباً شديداً عندما خرج على أصحابه يوماً وهم يتنازعون في القدر، حتى احمرَّ وجهه، حتى كأنما فُقئ في وجنتيه الرمان، فقال: ((أبهذا أمرتم، أم بهذا أرسلت إليكم؟ إنما هلك من كان قبلكم حين تنازعوا في هذا الأمر، عزمت عليكم ألا تنازعوا فيه)) (?). واستجاب الصحابة رضوان الله عليهم لعزيمة نبيهم وتوجيهه، فلم يُعرف عن أحد منهم أنه نازع في القدر في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم أو بعد وفاته.
ولم يَردْ إلينا أن واحداً من المسلمين نازع في القدر في عهد الخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان، وكل ما ورد إلينا أن أبا عبيدة عامر بن الجراح اعترض على رجوع عمر بالناس عن دخول الشام عندما انتشر بها الطاعون، وقال لعمر بن الخطاب: (يا أمير المؤمنين أفراراً من قدر الله؟) فقال عمر: (لو غيرك قالها يا أبا عبيدة، نعم نفر من قدر الله إلى قدر الله. أرأيت إن كان لك إبل هبطت وادياً له عدوتان: إحداهما خصيبة، والأخرى جدبة، أليس إن رعيت الخصبة بقدر الله، وإن رعيت الجدبة رعيتها بقدرة الله) (?). وروى اللالكائي أن عمر بن الخطاب خطب الناس بالجابية (من أرض الشام فقال في خطبته: من يضلل الله فلا هادي له, وكان الجثاليق بين يديه، فقال: إن الله لا يضل أحداً، وعندما كررها عمر بن الخطاب نفض الجثاليق ثوبه ينكر قول عمر. فقال له عمر بعد أن تُرجم له كلامه: كذبت يا عدو الله خلقك الله، والله يضلك، ثم يميتك، فيدخلك النار إن شاء الله ... إن الله خلق الخلق، وقال: حين خلق آدم نثر ذريته في يده، وكتب أهل الجنة وما هم عاملون، وكتب أهل النار وما هم عاملون، ثم قال: هؤلاء لهذه، وهؤلاء لهذه فتفرق الناس وما يختلف في القدر اثنان) (?). الإيمان بالقضاء والقدر لعمر بن سليمان الأشقر - ص15
وقد اختلفت الآراء حول نشأة القول بالقدر في الإسلام، وعلى يد من نشأ القول به, وأهم الأقوال التي قيلت في ذلك هي: