المطلب الثاني: أدلة إثبات الميزان من السنه النبوية

وأما أدلة إثبات الميزان من السنة وهي كثيرة – فمنها:

إخباره صلى الله عليه وسلم بالأمور التي تكون ثقيلة في ميزان العبد إذا فعلها مخلصاً من قلبه, كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كلمتان حبيبتان إلى الرحمن, خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان: سبحان الله وبحمده, سبحان الله العظيم)) (?)

وفي قوله: ((كلمتان)) إطلاق كلمة على الكلام, وهو مثل كلمة الإخلاص وكلمة الشهادة و (المعنى: محبوب قائلهما) , (وخص لفظ الرحمن بالذكر لأن المقصود من الحديث بيان سعة رحمة الله تعالى على عباده؛ حيث يجازي على العمل القليل بالثواب الكثير).

ومعنى وصفهما بالخفة والثقل هو (لبيان قلة العمل وكثرة الثواب).

ومعنى وصفهما بالخفة (إشارة إلى قلة كلامهما وأحرفهما ورشقاتهما)

قال الطيبي: (الخفة مستعارة للسهولة, وشبه سهولة جريانها على اللسان بما خف من بعض الأمتعة, فلا تتعبه كالشئ الثقيل, وفيه إشارة إلى أن سائر التكاليف صعبة شاقة على النفس ثقيلة, وهذه سهلة عليها مع أنها تثقل الميزان كثقل الشاق من التكاليف.

وقد سئل بعض السلف عن سبب ثقل الحسنة وخفة السيئة فقال: (لأن الحسنة حضرت مرارتها وغابت حلاوتها؛ فثقلت؛ فلا يحملنك ثقلها على تركها, والسيئة حضرت حلاوتها وغابت مرارتها؛ فلذلك خفت؛ فلا يحملنك خفتها على ارتكابها). (1)

وعن أبي مالك الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الطهور شطر الإيمان, والحمد لله تملأ الميزان, وسبحان الله والحمد لله تملأ ما بين السموات والأرض والصلاة نور, والصدقة برهان, والصبر ضياء, والقرآن حجة لك أو عليك, كل الناس يغدو, فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها)) (?).

قال النووي عن مزية هذا الحديث: هذا حديث عظيم, وأصل من أصول الإسلام, وقد اشتمل على مهمات من قواعد الإسلام.

أما معنى (الطهور شطر الإيمان) فإن الشطر معناه النصف, وإذا كان الشطر هو النصف فكيف كان الطهور – الذى أصله النظافة والتنزه – نصف الإيمان؟ اختلف العلماء في ذلك.

فقيل معناه:

1 - إن الأجر ينتهي تضعيفه إلى النصف أجر الإيمان.

2 - وقيل: معناه: إن الإيمان يجب ما قبله من الخطايا, وكذلك الوضوء لأن الوضوء لايصح إلا مع الإيمان؛ فصار – لتوقفه على الإيمان – في معنى الشطر.

3 - وقيل: المراد بالإيمان هنا: الصلاة, كما قال تعالى: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ [البقرة: 143] , والطهارة شرط في صحة الصلاة؛ فصارت كالشطر, وليس يلزم في الشطر أن يكون نصفاً حقيقياً.

.. وقد رجح النووي القول الأخير من تلك الأقوال.

وزاد فذكر أنه (يحتمل أن يكون معناه أن الإيمان تصديق بالقلب, وانقياد بالظاهر, وهما شطران للإيمان, والطهارة متضمنة الصلاة, فهي انقياد في الظاهر). (?).

ولا يستبعد أن يكون القول الأول هو الراجح أيضاً؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبر عن هذه الفضائل في معرض الترغيب في الأجر.

وهذه الألفاظ التي ذكرها الرسول صلى الله عليه وسلم من أن ((الحمد لله تملأ الميزان, وسبحان الله والحمد الله تملأ ما بين السموات والأرض)). تفضل عظيم من الله تعالى على عباده, حيث جعل جزاء هذه الكلمات اليسيرة ذلك الأجر العظيم حينما يتقبل الله قولها من العبد, إذ أن ذلك شرط لابد منه.

فليس كل من قالها يحصل له هذا الفضل العظيم بمجرد القول وإن لم تتحقق فيه أهلية قبولها. والله تعالى كما أخبر في كتابه الكريم أنه لايقبل إلا من المتقين لا سواهم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015