يقول ابن تيمية: (ثمَّ سرد دانيال قصة رسول الله صلى الله عليه وسلم بما أملاه عليه الملك حتى وصل آخر أمته بالنفخة، وانقضاء الدنيا).

ثم قال: (وهذه البشارة الآن عند اليهود والنصارى يقرؤونها، ويقولون: لم يظهر صاحبها بعد). الرسل والرسالات لعمر الأشقر - ص 168

والكلام في تبشير نبينا محمد بمن تقدمه من الأنبياء حتى يتضح لك أن هذه سنة الله عز وجل في أنبيائه عليهم السلام فمن ذلك ما ثبت في التوراة في الفصل السابع عشر من السفر الأول منها قال الله سبحانه لإبراهيم: (وقد سمعت قولك في إسماعيل وها أنا مبارك فيه وأثمره وأكثره بمأذ مأذ) انتهى. قوله بمأذ مأذ هو اسم محمد بالعبرانية وهذا صريح في البشارة بنبينا محمد وفي الفصل الثالث والثلاثين من السفر الخامس من التوراة ما لفظه: (يا الله الذي تجلى نوره من طور سينا, وأشرق نوره من جبل سيعير, ولوح به من جبل فاران, وأتى ربوة القدس بشريعة نور من يمينه لهم) انتهى. هذا نص التوراة المعربة تعريباً صحيحاً, وقد حكى هذا اللفظ من نقل عن التوراة بمخالفة لما هنا يسيرة: (هكذا جاء الله من طور سيناء, وأشرق من ساعير, واستعلن من جبال فاران). وفي لفظ: (تجلى الله من طور سيناء أو مجيئه من طور سيناء) الخ.

قال جماعة من العلماء: (إن معنى تجلى نور الله سبحانه من طور سيناء, أو مجيئه من طور سيناء هو إنزاله التوراة على موسى بطور سيناء, ومعنى إشراقه من جبل سيعير إنزاله الإنجيل على المسيح وكان المسيح من سيعير أو ساعير وهي أرض الخليل من قرية منها تدعى ناصرة وباسمها سمي أتباعه نصارى, ومعنى لوح به من جبل فاران أو استعلن من جبل فاران إنزاله القرآن على محمد وجبال فاران هي جبال مكة بلا خلاف بين علماء المسلمين وأهل الكتاب). ومما يؤيد هذا ما في التوراة في السفر الأول منها ما لفظه: (وغدا إبراهيم فأخذ الغلام يعني إسماعيل وأخذ خبزاً وسقاء من ماء ودفعه إلى هاجر, وحمله عليها وقال لها اذهبي فانطلقت هاجر فظلت سبعاً, ونفذ الماء الذي كان معها, فطرحت الغلام تحت شجرة وجلست مقابلته على مقدار رمية سهم لئلا تبصر الغلام حين يموت, ورفعت صوتها بالبكاء, وسمع الله صوت الغلام فدعا ملك الله هاجر وقال لها: مالك يا هاجر, لا تخشي فإن الله قد سمع صوت الغلام حيث هو, فقومي فاحملي الغلام وشدي يديك به فإني جاعله لأمة عظيمة, وفتح الله عينيها فبصرت بئر ماء, فسقت الغلام, وملأت سقاها, وكان الله مع الغلام, فربي وسكن في برية فاران). انتهى. ولا خلاف أن إسماعيل سكن أرض مكة فعلم أنها فاران, وقد حكى الله سبحانه في القرآن الكريم ما يفيد هذا فقال حاكياً عن إبراهيم: رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ [إبراهيم:37] ولا خلاف في أن المراد بهذا الوادي أرض مكة, وفي الأحاديث الصحيحة الحاكية لقصة إبراهيم مع هاجر وولدها إسماعيل ما يفيد هذا ويوضحه, ومما يؤيد هذه البشارة المذكور في كتاب نبوة النبي شمعون ولفظه: (جاء الله من جبال فاران, وامتلأت السموات والأرض من تسبيحه وتسبيح أمته) ومثل ذلك البشارة المذكورة في نبوة النبي حبقوق ولفظه: (جاء الله من التيمن, وظهر القدس على جبال فاران, وامتلأت الأرض من تحميد أحمد, وملك يمينه رفات الأمم, وأنارت الأرض لنوره, وحملت خيله في البحر). انتهى.

وفي هذا التصريح بجبال فاران مع التصريح باسم نبينا محمد بقوله: (وامتلأت الأرض من تحميد أحمد) تصريحاً لا يبقى بعده ريب لمرتاب.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015