الفصل الثالث: حكم من خالف منهج أهل السنة والجماعة في تقرير مسائل الاعتقاد

لقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن هذه الأمة ستفترق – أسوة باليهود والنصارى – إلى ثلاث وسبعين فرقة، وأن جميعها في النار، خلا واحدة هي الناجية، وهي الجماعة، وهي الفرقة المنصورة (?)، وأن سبب نجاتها هو التزامها بما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من أمور الديانة: علما وعملا.

وقد أفتى أهل العلم بأن الفرقة الناجية والطائفة المنصورة هم أصحاب الحديث، حتى قال الإمام أحمد رحمه الله: (إن لم يكونوا أصحاب الحديث فلا أدري من هم) (?). وروي نحوه عن يزيد بن هارون، وأحمد بن سنان، وعلي بن المديني، والإمام البخاري رحمهم الله) (?).

وأهل الحديث والسنة: هم الذين ليس لهم متبوع يتعصبون له إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فهم أعلم الناس بأقواله وأحواله، وأعظمهم تمييزا بين صحيحها وسقيمها، وأئمتهم فقهاء فيها، وأهل معرفة بمعانيها، وهم – أيضا – أعظم الناس اتباعا لها: تصديقا وعملا وحبا، وموالاة لمن والاها، ومعاداة لمن عاداها، الذين يردون المقالات المجملة إلى ما جاء به من الكتاب والحكمة؛ فلا ينصبون مقالة – عن رأي أو ذوق – ويجعلونها من أصول دينهم وجمل كلامهم، إن لم تكن ثابتة فيما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، بل يجعلون ما بعث به من الكتاب والحكمة هو الأصل الذي يعتقدونه ويعتمدونه.

وما تنازع فيه الناس من مسائل الصفات والقدر والوعيد والأسماء والأحكام، ومسائل المعاد وحشر الأجساد وغير ذلك، يردونه إلى الله ورسوله، فما كان من معانيها موافقا للكتاب والسنة أثبتوه، وما كان منها مخالفا للكتاب والسنة أبطلوه، ولا يتبعون الظن وما تهوى الأنفس؛ فإن اتباع الظن جهل، واتباع هوى النفس بغير هدى من الله ظلم (?).

وعليه، فما عدا طائفة أهل الحديث هم أهل أهواء وبدع وتفرق، محكوم على جملتهم بمخالفة الصراط المستقيم، صراط الذين أنعم الله عليهم بالهداية والتوفيق:

قال أبو عمر بن عبد البر رحمه الله: (أجمع أهل الفقه والآثار من جميع الأمصار أن أهل الكلام: أهل بدع وزيغ، ولا يعدون عند الجميع - في جميع الأمصار - في طبقات العلماء، وإنما العلماء: أهل الأثر والتفقه فيه، ويتفاضلون فيه بالإتقان والميز والفهم) (?).

وقال هارون الرشيد رحمه الله: (طلبت أربعة فوجدتها في أربعة: طلبت الكفر فوجدته في الجهمية، وطلبت الكلام والشغب فوجدته في المعتزلة، وطلبت الكذب فوجدته عند الرافضة، وطلبت الحق فوجدته مع أصحاب الحديث) (?).

وقال رجل للحسن بن زياد اللؤلؤي في زفر بن هذيل: (أكان ينظر في الكلام؟ فقال: سبحان الله! ما أحمقك! ما أدركت مشيختنا: زفر، وأبا يوسف، وأبا حنيفة، ومن جالسنا وأخذنا عنهم يهمهم غير الفقه والاقتداء بمن تقدمهم) (?).

وقال الإمام مالك رحمه الله: (لا تجوز الإجارات في شيء من كتب الأهواء والبدع والتنجيم، وذكر كتبا، ثم قال: وكتب أهل الأهواء والبدع عند أصحابنا هي كتب أصحاب الكلام من المعتزلة وغيرهم، وتفسخ الإجارة في ذلك) (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015