فهو منهج يقوم على التسليم المطلق لنصوص الكتاب والسنة، لا يردون منها شيئا، ولا يعارضونها بشيء، لا بعقل، ولا ذوق، ولا منام، ولا غير ذلك، بل يقفون حيث تقف بهم النصوص، ولا يتجاوزونها إلى إعمال رأي أو قياس أو ذوق .. ملتزمين قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [الحجرات: 1] وقال الربيع بن خثيم رحمه الله: "يا عبد الله، ما علمك الله في كتابه من علم فأحمد الله، وما استأثر عليك به من علم فكله إلى عالمه، لا تتكلف، فإن الله يقول لنبيه: قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ [ص: 86] (?) وقال الأوزاعي رحمه الله: (كان مكحول والزهري يقولان: أمروا هذه الأحاديث كما جاءت ولا تناظروا فيها) (?) يعني أحاديث الصفات.
أما غير أهل السنة فقد أصلوا لأنفسهم قواعد، حاكموا إليها النصوص، فما وافق منها تلك القواعد قالوا به معضدين لا محتجين، وما خالف ردوه: إما بتضعيف - إن كان حديثا - أو تأويل، وإن أحسنوا المعاملة فوضوا العلم به وعزلوه عن سلطان الحكم والاحتجاج، حتى أحدثوا في دين الله تعالى من المقالات الشنيعة ما ضاهوا، أو سبقوا به اليهود والنصارى وعباد الأصنام.
قال يونس بن عبد الأعلى: (سمعت الشافعي، يوم ناظره حفص الفرد، قال لي: يا أبا موسى .. . لقد سمعت من حفص كلاما لا أقدر أن أحكيه) (?) وقال ابن عيينة: (سمعت من جابر الجعفي كلاما خشيت أن يقع علي وعليه البيت) (?).
ثالثا: تجنب الجدل والخصومات في الدين:
وبناء على ما سبق كان للسلف موقف واضح وصريح من الجدل والخصومات في مسائل الاعتقاد، حتى عدوا الكلام والتمحل فيها من البدع، التي شددوا النكير على مقترفيها، وقصة عمر بن الخطاب رضي الله عنه مع صبيغ بن عسل مشهورة معروفة:
وهي (أن صبيغا قدم المدينة وكانت عنده كتب، فجعل يسأل عن متشابه القرآن، فبلغ ذلك عمر رضي الله عنه فبعث إليه، وقد أعد له عراجين النخل، فلما دخل عليه جلس، فقال له عمر رضي الله عنه: من أنت؟ فقال: أنا عبد الله صبيغ، فقال عمر رضي الله عنه: وأنا عبد الله عمر، ثم أهوى إليه فجعل يضربه بتلك العراجين، فما زال يضربه حتى شجه، فجعل الدم يسيل على وجهه، فقال: حسبك يا أمير المؤمنين، فقد والله ذهب الذي كنت أجد في رأسي) (?).