وقال مالك بن أنس رضي الله عنه: (الكلام في الدين أكرهه، ولم يزل أهل بلدنا يكرهونه، وينهون عنه، نحو الكلام في رأي جهم والقدر، وكل ما أشبه ذلك، ولا أحب الكلام إلا فيما تحته عمل، فأما الكلام في دين الله، وفي الله عز وجل، فالسكوت أحب إلي، لأني رأيت أهل بلدنا ينهون عن الكلام في دين الله إلا فيما تحته عمل) (?) قال أبو عمر بن عبد البر (رحمه الله): (والذي قاله مالك رحمه الله عليه جماعة العلماء قديما وحديثا، من أهل الحديث، والفتوى، وإنما خالف ذلك أهل البدع: المعتزلة وسائر الفرق، وأما الجماعة فعلى ما قال مالك) (?) وذلك فيما لم تكن هناك ضرورة، كرد باطل أو خوف من ضلالة أن تعم، فالواجب بيان الحق ودفع الباطل على ما أشار إليه ابن عبد البر رحمه الله (?).
رابعا: اتفاق السلف في مسائل العقيدة:
لقد كان من ثمرة صحة المنهج، وصدق قضاياه: أن يتفق أهل السنة على مسائل الاعتقاد مع اختلاف أعصارهم، وتباعد أمصارهم.
يقول الإمام الأصبهاني رحمه الله: (ومما يدل على أن أهل الحديث هم أهل الحق أنك لو طالعت جميع كتبهم المصنفة من أولهم إلى آخرهم، قديمهم وحديثهم، مع اختلاف بلدانهم وزمانهم، وتباعد ما بينهم في الديار، وسكون كل واحد منهم قطرا من الأقطار؛ وجدتهم في بيان الاعتقاد على وتيرة واحدة ونمط واحد، يجرون على طريقة لا يحيدون عنها، ولا يميلون فيها، قولهم في ذلك واحد، ونقلهم واحد، لا ترى فيهم اختلافا، ولا تفرقا في شئ ما وإن قل، بل لو جمعت جميع ما جرى على ألسنتهم ونقلوه عن سلفهم، وجدته كأنه جاء عن قلب واحد، وجرى على لسان واحد، وهل على الحق دليل أبين من هذا؟) (?). منهج الاستدلال على مسائل الاعتقاد عند أهل السنة والجماعة لعثمان علي حسن- بتصرف-1/ 40