امتازت مناهج أهل السنة والجماعة في تقرير مسائل الدين أصوله وفروعه بخصائص جعلتها أكثر موافقة للحق وإصابة له، نذكر في هذا الموقع، طرفا منها:
أولا: وحدة المصدر:
وهو أن السلف لا يتلقون أمور دينهم إلا عن مشكاة النبوة، لا عقل ولا ذوق ولا كشف، بل هذه إن صحت كانت معضدة لحجة السمع (الكتاب والسنة) فكيف بمن عارض بها دلائل الكتاب والسنة، وأكثرها جهالات وخيالات فاسدة. وبهذا نفهم كيف أن الرسول صلى الله عليه وسلم أنكر على عمر بن الخطاب رضي الله عنه النظر في صحيفة من التوراة، وهو الكتاب المنزل من السماء، وإن شابه التحريف فهو أفضل من كثير من الأقيسة العقلية، والخيالات الصوفية (?):
روى الإمام أحمد في مسنده عن عبد الله بن ثابت أنه قال: ((جاء عمر بن الخطاب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني مررت بأخ لي من قريظة فكتب لي جوامع من التوراة ألا أعرضها عليك؟ قال: فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال عبد الله: فقلت له: ألا ترى ما بوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عمر: رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا، قال: فسري عن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال: والذي نفسي بيده لو أصبح فيكم موسى ثم اتبعتموه وتركتموني لضللتم، إنكم حظي من الأمم وأنا حظكم من النبيين)) (?). وفي رواية (( ... أمتهوكون فيها يا ابن الخطاب، والذي نفسي بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقية .. . والذي نفسي بيده لو أن موسى صلى الله عليه وسلم كان حيا ما وسعه إلا أن يتبعني)) (?) ...
فهذا موسى عليه السلام لو قدر وجوده بعد بعثة محمد صلى الله عليه وسلم ما جاز لأحد متابعته وترك ما عليه النبي صلى الله عليه وسلم، بل ما جاز له - أي موسى - ترك متابعة النبي صلى الله عليه وسلم فكيف تتلقى أمور الديانة - أصولها وفروعها - عن عقل أو ذوق أو وجد أو نحو ذلك؟
قال ابن عبد البر (رحمه الله): (ليس في الاعتقاد كله، في صفات الله وأسمائه، إلا ما جاء منصوصا في كتاب الله، أو صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو أجمعت عليه الأمة، وما جاء من أخبار الآحاد في ذلك كله أو نحوه يسلم له ولا يناظر فيه) (?).
ثانيا: منهج توقيفي: