فلما تطاولت المدة على ذلك كنا جلوساً في فناء ضيعتنا هذه في ليلة مقمرة رأينا ليلة البدر في كبد السماء إذ نظرنا إليه وقد انشق نصفين، فغرب نصف في المشرق ونصف في المغرب، ساعة زمانية، وأظلم الليل، ثم طلع النصف من المشرق والنصف الثاني من المغرب إلى أن التقيا في وسط السماء، كما كان أول مرة، فعجبنا من ذلك غاية العجب، ولم نعرف لذلك سبباً. وسألنا الركبان عن خبر ذلك وسببه؛ أخبرونا أن رجلاً هاشمياً ظهر بمكة، وادعى أنه رسول من الله إلى كافة العالم، وأن أهل مكة سألوه معجزة كمعجزة سائر الأنبياء، وأنهم اقترحوا عليه أن يأمر القمر فينشق في السماء ويغرب نصفه في المغرب ونصفه في المشرق، ثم يعود إلى ما كان عليه؛ ففعل لهم ذلك بقدرة الله تعالى.

فلما سمعنا ذلك من السفار اشتقت إلى أن أرى المذكور؛ فتجهزت في تجارة، وسافرت إلى أن دخلت مكة، وسألت عن الرجل الموصوف، فدلوني على موضعه، فأتيت إلى منزله، واستأذنت عليه؛ فأذن لي، ودخلت عليه؛ " فوجدته جالساً في صدر المنزل، والأنوار تتلألأ في وجهه "، وقد استنارت محاسنه، وتغيرت صفاته التي كنت أعهدها في السفرة الأولى، فلم أعرفه.

فلما سلَّمت عليه نظر إليَّ وتبسَّم وعرفني، وقال: وعليك السلام، أدنُ مني، وكان بين يديه طبق فيه رُطَب، وحوله جماعة من أصحابه كالنجوم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015