فلما نزلنا خارج الضيعة رأينا بفنائها شجرة عظيمة تظل خلقاً عظيماً، وتحتها جمع عظيم من أهل الضيعة، سلمنا عليهم وسلموا علينا، ورأينا زنبيلاً كبيراً معلقاً في بعض أغصان الشجرة؛ فسألنا عن ذلك، فقالوا: هذا الزنبيل فيه الشيخ رتن الذي رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - ودعا له بطول العمر ست مرات؛ فسألنا جميع أهل الضيعة أن ينزل الشيخ ونسمع كلامه، وكيف رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - وما يروى عنه؟؛ فتقدم شيخ من أهل الضيعة إلى الزنبيل - وكان بكرة - فأنزله؛ فإذا هو مملوء بالقطن، والشيخ في وسط القطن، ففتح رأس الزنبيل، وإذا الشيخ فيه كالفرخ، فحسر عن وجهه، ووضع فمه على أذنه وقال: يا جداه: هؤلاء قوم قدموا من خراسان، وفيهم شرفاء أولاد النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد سألوا أن تحدثهم كيف رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وماذا قال لك؟ فعند ذلك تنفس الشيخ وتكلم بصوت كصوت النحل بالفارسية، ونحن نسمع ونفهم كلامه، فقال: سافرت مع أبي وأنا شاب من هذه البلاد إلى الحجاز في تجارة، فلما بلغنا بعض أودية مكة، وكان المطر قد ملأ الأودية بالسيل، فرأيت غلاماً أسمر اللون مليح الكون، حسن الشمائل وهو يرعى إبلاً في تلك الأودية، وقد حال السيل بينه وبين إبله، وهو يخشى خوض السيل لقوته، فعلمت حاله، فأتيت إليه وحملته، وخضت السيل إلى عند إبله من غير معرفة سابقة. فلما وضعته عند إبله، نظر إلي وقال لي بالعربية: بارك الله في عمرك، بارك الله في عمرك، بارك الله في عمرك؛ فتركته ومضيت إلى سبيلي إلى أن دخلنا مكة وقضينا ما كنا أتينا له من أمر التجارة، وعدنا إلى الوطن.