الذي حصل من إبراهيم عليه السلام حكاه القرآن الكريم في الآية (260) من سورة البقرة {وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي قال فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك} (أي اضممهن إليك وتأكد باللمس والبصر أنهن أحياء يتحركن ثم اذبحهن وقطعهن أجزاء) {ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا ثم ادعهن يأتينك سعيا واعلم أن الله عزيز حكيم}
وواضح أن الله لم ير إبراهيم كيف أحيا الطير لم يره الكيفية إنما أراه طيرا حيا يطير ويسعى بعد أن كان أجزاء متفرقة فهل كان الذي رآه هو مطلبه وأنه أراد زيادة سكون قلبه بالمشاهدة لتنضم إلى العلم واعتقاد القلب لأن تظاهر الأدلة وتعددها أسكن للقلوب والعلوم تتفاوت في قوتها فأراد الترقي من علم اليقين إلى عين اليقين وكان الذي رآه غير ما طلب على طريقة الأسلوب الحكيم أي لا ينبغي أن تسأل عن الكيفية فهي من اختصاص الله جل شأنه ولكن ينبغي أن تسأل عما أجيبك إليه
وسواء أكان هذا أو ذاك فإن مطلب إبراهيم عليه السلام لا يستلزم أنه شك في القدرة الإلهية على الإحياء بكيفية ما وإنما الذي أشرب مطلبه معنى الشك قول الله تعالى {أولم تؤمن} أي أتشك
ومن المعلوم أن السؤال عن الشيء أو إنكاره لا يستلزم حصوله بل ولا توقع حصوله يؤكد ذلك قوله تعالى {وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق ... }
وعلى هذا فالحق والتحقيق قول من يقول إن إبراهيم لم يشك وإن الهدف من الحديث استبعاد أن يشك وأن المعنى إذا كنا لا نشك فإبراهيم لم يشك لأننا أولى بالشك منه لأن تطرق الشك إلينا أقرب من تطرقه إلى إبراهيم ومقصوده لا تتوهموا من الآية أن إبراهيم عليه السلام شك وأن نبيكم لم يشك فنبيكم خير من إبراهيم وعلى هذا لا نميل إلى ما حكاه