الأرض، والفرق واضح، وهو أن شدة الخوف ظاهرة في المطلوب، أما الطالب فلا يخاف استيلاء العدو عليه، قال الأوزاعي إذا خاف الطالبون إن نزلوا بالأرض فوت العدو صلوا حيث توجهوا. فقد قيده الأوزاعي بخوف الفوت، ولم يفرق بين الطالب والمطلوب، وإنما بني الحكم على الخوف، وبه قال بعض المالكية. وإنما قال بعض الصحابة "لا نصلي حتى نأتيها" تمسكا بظاهر قوله "لا يصلين أحد" لأنهم فهموا أن النزول عن دوابهم، لأجل الصلاة عصيان للأمر الخاص بالإسراع، وتأولوا عموم الأمر بالصلاة أول وقتها وجعلوه مخصصا بما إذا لم يكن هناك عذر، بدليل أمره صلى الله عليه وسلم لهم بذلك، وقال البعض الآخر "بل نصلي" حيث نظروا إلى الحكمة لا إلى النص، بدليل قولهم: "لم يرد منا ذلك" أي أنه صلى الله عليه وسلم لم يرد من قوله "لا يصلين أحد إلخ" ترك الصلاة حقيقة، بل أراد لازمه، وهو الاستعجال في الذهاب إلى بني قريظة، كأنه قال: صلوا في بني قريظة إلا أن يدرككم وقتها قبل أن تصلوا إلى هناك، ويرجع السبب في اختلافهم إلى تعارض الأدلة عندهم، فإن الصلاة مأمور بها في الوقت، والمفهوم من قوله "لا يصلين أحد ..
" إلخ المبادرة بالذهاب إلى بني قريظة، لا أن تأخير الصلاة مقصود في نفسه، من حيث إنه تأخير، فأخذ بعض الصحابة بهذا المفهوم نظرا إلى المعنى فصلوا حين خافوا فوات الوقت، وأخذ الآخرون بظاهر اللفظ وحقيقته، فأخروا الصلاة عملا بالأمر بالمبادرة لبني قريظة، ولم يعنف الرسول صلى الله عليه وسلم أحدا منهم لأنهم مجتهدون، وإذا أخطأ المجتهد فله أجر واحد وإن أصاب فله أجران.
وجاء في رواية مسلم أن الصلاة كانت فريضة الظهر، ولا تعارض، لأن قول النبي صلى الله عليه وسلم هذا الكلام كان بعد دخول وقت الظهر، فكان بعض الصحابة صلى الظهر بالمدينة ولم يصلها آخرون، فقيل لمن صلى الظهر لا تصل العصر إلا في بني قريظة، وقيل لمن لم يصلها لا تصل الظهر إلا في بني قريظة.
ويحتمل أنه قيل للذين ذهبوا أولا: لا تصلوا الظهر إلا في بني قريظة