(بنوا على قبره مسجدا) أي مكان سجود، وليس المراد المسجد المعروف للمسلمين، فإن معبد النصارى يسمى كنيسة وبيعة بكسر الباء.
-[فقه الحديث]-
قال الحافظ ابن حجر: إنما بنى الأوائل على قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، وصورا صورهم فيها ليأتنسوا برؤية تلك الصور، ويتذاكروا أحوالهم الصالحة، فيجتهدوا، ثم خلف من بعدهم خلوف، جهلوا مرادهم ووسوس لهم الشيطان أن أسلافهم كانوا يعبدون هذه الصور فعبدوها. فحذر رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك، سدا للذريعة المؤدية إلى ذلك. اهـ.
وظاهر كلام الحافظ أن الخوف الحقيقي منشؤه الصور والتماثيل، ليس بناء المساجد على القبور، على معنى أنه لو وضعت هذه التماثيل على القبور من غير المساجد، أو على أماكن أخرى غير القبور، كما كانت على الصفا والمروة لكان النهي قائما، لأن المحذور المخيف هو التماثيل، وبالتالي يكون بناء المساجد على القبور بدون التصاوير لا يؤدي إلى هذا المحذور، وبالتالي يحذر صلى الله عليه وسلم أن يفعل معه بعد موته مثل ما صنع مع أنبياء اليهود من تصويره صلى الله عليه وسلم وقد يؤيد هذا الاتجاه أن عمر رضي الله عنه لما قدم الشام ودعي إلى الكنيسة قال: إنا لا ندخل كنائسكم من أجل التماثيل التي فيها الصور وكان ابن عباس يصلي في البيعة، إلا بيعة تماثيل -ذكر ذلك البخاري -ولم يبحث أي منهما، ولم يبن فعله على كون الكنيسة بها قبر أو لا.
لكن هناك روايات في الصحيح أوعدت باللعن والقتل، لاتخاذهم القبور مساجد، دون ذكر للتماثيل والصور، مما يفيد أن اتخاذ قبور الأنبياء والصالحين مساجد معرض للعن والطرد من رحمة الله، ومما لا شك فيه أنهم لم يكونوا يتخذون القبر وحده مسجدا، بل كان القبر جزء مسجد، وعلى ذلك فلا فرق بين أن يكون القبر في زاوية المسجد أو في وسطه. غاية الأمر أن الحرمة تشتد، والجرم يعظم إذا جعل القبر في القبلة، بحيث يستقبله المصلون وكذلك لا فرق بين أن يسبق بناء المسجد على بناء القبر،