المنثور (صفحة 8)

إذا كان دمعُ العين بالسرَّ بائحاً ... فليس بحافٍ في الهوى ما كتمتُه

يا معاشر العُصاة! تُعرضون عنا ونُقبل عليكم، وتبارزون ونستركم، وتنفقون نعمتنا في مخالفتنا ونمدّكم، وتنأون عنا ونستدعيكم، هل من سائل فأعطيَهُ، هل من مستغفرِ فأغفر له، هل من تائب فأتوب عليه، يا مَرْضَى الذنوب داووها بالاستغفار.

أناسٌ أعرضوا عَنا ... بلا جُرمِ ولا معنى

اساءوا ظنَّهم فينا ... وما سِئْنا بهم ظنّا

فإنْ عادوا لنا عُدْنا ... وإنْ خانوا فما خُنّا

وإنْ كانوا قد استغنوا ... فإنّا عنهُمُ أغنى

يا ابن آدم! أقبل عليَّ فإنّي عليك مقبل، ومتى رمتَ طلبي فاطلبني بقلبك، بدليل ويسعني قلب عبدي المؤمن، يا آدم أنا وحقّي لك محبّ، فبحقِّي عليك كُنْ لي مُحِباً.

ساكنٌ في القلب يعمرُهُ ... لستُ أنساه فأذكره

نصب عيني دائماً أبداً ... وسويدا القلب يبصره

قلتُ للعُذّال إذا أمروا ... بِسُلُوّ عزَّ

مالكي في القلب مسكنُهُ ... فَسُلُوِّي أينَ أُضْمِرُهُ

بيننا عهد من يوم (أَلسْتُ بربكم)

فلا تنسوا العهد ما بيننا ... فلسنا مدى الدهر ننساكُمُ

تبعدون عَنّا ونرسل إليكم مسائل هل من سائل، هل من مستغفر، هل من تائب، وتُذنبون فيأتيكم منّا عذرٌ، لو لم تُذنبوا لأتى اللهُ بقومٍ يذنبون فيستغفرون فيغفر لهم.

تشاغلتُمُ عنّا بصحبة غيرنا ... وأظهرتُمُ الهجران ما هكذا كُنا

وأقسمتموا أن لا تحولوا عن الهوى ... فقد وجلال الله حلتم وما حلنا

يقول الله - عَزّ وجلَ -:ْ وعزتي وجلالي لأمهلن على من عصاني يتلذّذ بنعماي، فإِن استحيا مني استحييت منه، وإنْ أعرض عني نظرتُ إليه بالفضل وإن تاب إليّ تبت عليه، وإنْ قال: يا رب! قلتُ: يا عبدي.

إخواني! ينبغي للإنسان أن لا يقف إلاّ بباب مولاه، ولا ينبغي عوضاً سواه، ولا يدعو إلا إيّاه، ولا - يجعل بينه وبينه حجاباً، ويسأله حاجاته القليل والكثير، قال موسى: يا ربّ أسألك القليل والكثير، قال: سلني كل شيءِ حتى ملْحَ عَجينك وعَلَفَ شاتكْ انظر إلى موسى وأدبه (ربِّ أَرِني أَنْظُر إليك) تارة، وتارة رغيفاً (إنّي لما أنزلتَ إليَّ من خيرٍ فقيرُ) .

إخواني! انظروا إلى يوسف عليه السلام لمّا قال للساقي: (اذكرني عند ربَّك) يعني عند سيّدك وهو الملك انقطع عنه جبريل عليه السلام وكان قبل هذا يزوره، فأوحى الله إليه يا يوسف اتخذت من دوني وكيلاً، وعزّتي لأطيلنّ حبسك فيُقال إنّه لبث في السجن اثنتي عشرة سنة وهي عدد حروف " اذكرني عند ربك " خمسة قبل ذكره وسبعة بعده فلمّا كان منه ما كان من رؤية الأسباب والوسائط والالتجاء بغير جناب الحق، كانت عقوبته انقطاع جبريل عنه فَعَظُم حزنُ يوسف لذلك واغتم واشتدّ غَمُّه:

بِنتُم فأوحشتُمُ الدنيا لِبَيْنِكُمُ ... فاليوم لا عوضٌ عنكم ولا بَدَلُ

حملتموني على ضعفي لفرقتكم ... ما ليس يحمله سَهْل ولا جَبَلُ

إذا شممتُ نسيماً من دياركُمُ ... عدمتُ عقلي كأنّي شاربٌ ثَمِلُ

لمّا قدم الرسول من عند يوسف إلى يعقوب ليخبره بخبره، وقف بالباب وأعلم أخته أن تستأذن عليه يعقوب، فدخلت عليه وهو يصلّي فأعلمته فأوجز في الصلاة وقال لها: ما لَكِ يا بُنيّه! فقالت له: هذا رسولٌ أتى إليك من بعض القرى، فلمّا سمع ذلك قام ووقع، ثم قام ووقع، فأخذت ابنتُه بيده وأخرجتهه، فقأل له: من أنتَ؟ فقد شممت عليك رائحة طيبة أهاجت مني ما هو مكتتم.

أنهى أحاديث نُعمانِ وساكنِه ... إنَّ الحديثَ عن الأحباب أسمارُ

أفتِّشُ الريح عنكم كُلّما نفحت ... من نحو أرضكم نكباءُ معطارُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015