المنثور (صفحة 7)

طُوبى لمنْ وصَل، يا منقطعين فوزٌ لمنْ قُبل، يا مطرودين يا مسكين لو أرادوا قربك لاستخدموك، لو تذللت لهم لرحموك، لكنّك أعرضت عنهم فتركوك، ولم تَأْتِ على المقصود فأبعدوك، وعن بابهم وفضلهم طردوك، فإِن أردتَ قربهم فابك على نفسك وقد قبلوك.

لو بكتْ عيناك يا هذا دَماً ... ما تقدمتَ إلينا قَدَما

نُحْ علينا أَسَفاً أو لا تنحْ ... واقرع السنَ علينا نَدَما

إخواني! إيّاكم وفرعون الهوى فإنه يصلب القلوب على جذوع النخل، قد قَسَتْ القلوبُ فصارت كالحديد فَقَرَّبوها إلى نار المواعظ، ودعوني أنفخ كير التخويف حتى يحمى، وإلاّ فما ينفع الضربُ في،حديد بارد؟!.

دوبيت:

يا غاية مُنْيتي وأقصى طلبي ... ما أسرعَ ما طردتني واعَجَبي

لم أقض على ظماي منكم إرَبي ... حَتّام أعيشُ بالمنى واحَرَبي

يا غافلين عن الحق وقد فتح بَابَه، تعرّضوا للقلوب فهذا وقت أجابَه، خرح كمينٌ من عسكر اللطف فتح باباً من أبواب القرب، هَزَّت شجرات الوصل فتساقطت ثمر الأُنسْ هذا مُنادي الاستدعاء قد كبَّر، هذه بلابلُ الوصال قد صاحت، هذ5أعلام القبول قد لاحت.

ما زارَ طيفُك إلا قلتُ واطَرَبا ... ولا انثنى راجعاً ناديتُ واحَرَبا

ولا ترنم قمريٌّ على فَنَنٍ ... يشكو التلهف إلاّ زادني طَرَبا

أفدي الغزالَ الذي بالجزع غازلني ... يوماً على خيفةٍ من أعين الرُقَبا

يا ليلة السَفْح من وادي الأراك لنا ... عودي كما كنتِ قِدْماَ في قباب " قبا "

واسترجعي طيبَ أيّامٍ لنا سَلَفَتْ ... فأطيبُ العيش يوماً رَدُّ ما ذَهَبا

إخواني! إياكم والذنوب فإنها أذلّت اباكم بعد عزّ " اسجدوا "، وأخرجَتْهُ من إقطاع (اسكن أنت وزوجك) .

واعَجَباً جبريل بالأمس يسجد له واليوم يجرُّ بناصيته للإخراج ولسانُ حاله يقول ارفق بي:

أرفقوا بي رفقَ من ذاق الهوى ... لا تذيبوا بجفاكم جَلَدي

أخذكم للروح منَي هَيِّن ... إنما المحنةُ تركُ الجَسَدِ

أعظمُ الظُلمة ما تَقَدَمَها ضوءٌ، وأصعب الهجر ما تقدمه وصل، وأشدّ عذاب المحبّ تذكارُه وقت القرب، في المعنى:

إني لأذكركم فتذهب غُلَّتي ... عنِّي، وأذكرُ فقدَكم فتعودُ

واشدّ من مرضي عليَّ صدودكم ... وفراقُ من أهوى عليَّ شديدُ

أقسمت لا عَلِقَ الفؤاد بغيركم ... ما دام في الشجر المورِّق عُودُ

من عرفَ قَدْرَ ما يطلبُ هان عليه ما يبذل، من عرف قدر ما يطلب " بياض " مَنْ قَلِقَ، من ذاق طعم الوصال ثم هُجِرَ تلفَ، ما أمَرَّ طعمَ الفراق.

ولم تَعُدْ أوجُهُ اللذّات سافرةً ... مُذْ أدبرت باللِّوى أيّامنا الأُوَلُ

كان آدم عليه السلام إذا رأى الملائكة،تنزل من السماء تذكر المرتع في المربع فتأخذ العين في إعانة الحزين. شعر في المعنى:

رأى بارقاً من أرض نجدِ فراعَهُ ... فبات يسحُ الدمعَ وجداً على نَجْدِ

فيا شَجَراتِ القاعِ من بَطْنِ وَجْرةٍ ... سفاكِ هزيمُ الودق مُنبجس الرعد

هل الأعصر اللاتي مَضَيْنَ يَعدْنَ لي ... كما كُنَّ لي أم لا سبيل إلى الرَدَ

واعَجَباً لقلق آدم ولا معين له على الحزن، هوام الأرض لا تفهم ما يقولى، والوحش لا تدري وملائكة السماء عندها بقايا من يوم (أتجعل فيها من يفسد فيها) فهو يجول في كربة بلا م معين ولا راحم إلى أن يتداركه مولاه بلطفه.

ألا راحمٌ من آل ليلى فأشتكي ... غرامي له حتى يكلّ لساني

تُرى بكى آدمُ لفراق الجنة، هيهات! ما كان هذاالقلق لنفيس الداربل لربئ الدار، عَجَباَ لآدم لمّا غفر الله له طاف بالبيت أسبوعاً فما أتمَّهُ حتى خاضَ في دموعه، كان يبكي للدار مرّة وللجار ألفاً، والفراق يقلقل، والبعاد يزلزل، والشوق يململ، والهوى يقتل.

وإني لمشتاق إلى طيب وصلكم ... كما اشتاق نحو الدار من طال لفتُهُ

ولم أبكِ بُعد الدار عنِّي وإنما ... بكيتُ لفقد الصبر حتى فقدتُه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015