الحمد لله الذي أحيا أموات النبات بنفحة نفحة إسرائيل الأقدار بالاقتدار، في صُوَر صورةِ شريف لطيف رحمته المودعَة في ضمن أرسال الرياح. الذي حَلّى أجياد الجماد من قدود مهفهفات الأغصان بلآلىء عقود العنقود كاللؤلؤ المنضود، من سوسن ونرجس وشقائق وأقاح وتفاح، ومنطق غلمان أفنان الأشجار بمعصفرات مكلَّلات مناطق الزهر الفيّاح، فالأرض تبتسم عَجَباً، والسماءُ تبكي طَربا، والنَوْر يحكي ذَهَبا، والطير يُغنِّي شجناً ويرتاح، وعروس عرائس - الغُروس تتمايلُ تواجداً عند مرّ هبوب لطيف عطر نسيم الرياح، فكُتما أدارَ نديمُ نسيم بنسيم وابل الأمطار، في مجلس الدوحة على صوفيّة الأشجار كأسَ الطربِ والأفراح، وصوتت شبابةُ الريح، على إيقاع طار الرعد غنّى بلبلُ البلبال وباح، ولمعت شموس النُوّار، وصَفَّقَت أكفُ الأوراق فتمايلت الأشجار، ورموا على مغاني الأطيار مرقعات النواوير من الارتياح، والطيور تسجع والهزار يصفر والهدهد يهدّد بإفصاح، والقمر يُغَرِّد، ورهبان الملائكة يتلون في جوامع صوامع أذكارهم إنجيل تبجيل الملك الفتّاح، البصير الذي يبصر دبيب النملة السوداء على الصخرة الصمّاء في الليلة الظلماء بغير مقلة تعتريه بالانطباق والانفتاح، السميع الذي يسمَعُ وقوع قوائم الذرّ على البرّ، ويعلم ما يختلح في طباق مكنونات خزائن الأشباح، ينزل كلّ ليلةٍ إلى سماء الدنيا - تعالى ربّنا عن الانتقال والقيام والارتحال والمسير والعدو والرواح - فيقول: هل من سائلِ فأعطيه؟ هل من تائبِ فأتوب عليه؟ هل من داع فاستجيب له، كما ورد عن النبي (في الصحاح، فَسبحان الذي أطلع من قعر بحر الغيب نفيس جواهر الأرواح، وأودعها بسرِّ حكمته في خزائن الأشباح، أدارَ الفَلَكَ لِيُعْلَمَ بدورانهِ وجودُ المساء والصباح، جعل الليل والنهار طرازين على كُميّ مرقعة الدهر لاصطياد الأرواحُ من اقفاص الأشباح، نَثَرَ دنانير الكواكب على زُرقة شقّة وجه السماء والليل مطويُّ الوشاح، فكأنهُنَّ جَمَرات بقين في مواقد خَلَعَتْ عنها ثيابَ الرماد أيدي الرياح، أو عيونُ الروم رُكِّبت في محاجر السودان رَكَّبها مقترحٌ أحسنَ الاقتراح، مجيبُ دعوة المضطرِّ إذا دعاهُ وهو معتكفٌ على صَنَم لذّاته وأفعالِه القباح، يسمعُ حنينَ أنينِ الأطفال في ديجور الليل وجَرْيُ الماءِ في العود وخيلُ الليل تركض للصباح، استوى على العرش وما جلس، ونَزَل وما انتقل، هذا هو الحق ومن خالفه فهو الخطأ الصُراح، من شرب من راحِ حُبِّه ارتاح، وأعلن بأسراره - وباح، من خالَفَ هوى نفسه استراح، وإلاّ فهو كبيتٍ ما فيه مصباح، أفيقوا من خُمار الهوى فقد نادى المنادي: حيَّ على الفلاح، واتلوا على أسماع القلوب آية فَسَّرها ذو الصلاح، (الله نُورُ السَماواتِ والأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمشكاةِ فيها مِصْباحٌ) قُمْ في وقت السحر واسمع حنين العاشقين وأنين المشتاقين ياذا الأفعال القباح، ينادون مولاهم بشفاهٍ ذابلة، ودموعٍ سائلة، وزفرات قاتلة، وألسنة فِصاح، فإن انقطع قلبك في بادية ذنبك وأنت بمعزل عن الصلاح، فنادِ على نفسك نداء من أعلن بقصتهِ وباح، وتفكّر في أفعاله القِباح، فصاح فأنشد صُراح:
لا خير في العيش بغير افتضاح ... وهل على من مات وَجداً جُناح
قد جئتكم مستأمناً فارحموا ... لا تقتلوني قد رميتُ السلاح
لا تقتلوني أنا في أسركُمْ ... والحبُ قد أثخن قلبي جراح
نَحْمَدُهُ ونشكرُه على ما منَحَ من عطاياه أباح، ونشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك، لِه شهادةً أرجو بها الفوزَ والنجاح، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله المخصوص بالعلم وأزواجه صلاةً تقوم فتدوم ما هَبَّت الرياح وما تعاقب الجديدانْ واختلف المساء والصباحْ.