لم يكن أكولاً شرهاً لاسيما إذا رأى من الطعام ما لا عهد له بمثله. وفي هذا دليل على إنهم كانوا يرونهم في حد أهل البداوة الذين لم يبلغوا الدرجة التي يعرفون فيها طيب الطعام فهم يستطرفون إذا رأوه فضلاً عما سوى ذلك وفوقه من الأشياء التي يتخذها الملوك، ويدل على مثل هذا من أحوالهم أيضاً قول زيد بن عدي لكسرى حين أمره بأن يخطب له بنات النعمان وأخواته إنهم مع شدة عيشهم يختارون أرضهم على أرض الملك ويؤثرون العري والجوع على الرياش والخصب، ومدح الأعشى للنعمان بأنه يعلف فرسه قتاً وشعيراً، من هذا الفن.
وذكر الطبري إن قباذ بن فيروز الملك أبا أنوشروان بلغه عن العرب فساد في أطراف العراق وكان ملكه قد أضطرب عليه بظهور مزدك الخرميِّ، فهو في ضعف من أمره فخرج بنفسه فنزل قصر مقاتل وأتاه المنذر بن ماء السماء، وهو يومئذ عامله على العرب. فكان عنده وعاثت العرب ليلاً في أطراف معسكر قباذ، فأتهم المنذر في ذلك فلما أصبح دعا به فلامه وقال له: إنما نؤتى من قبلك فتنصل إليه من ذلك، وحضر طعامه فأراد أن يداعبه ويؤنسه لتطيب بذلك نفسه فأمر بأطباق من رطب فنزع منها النوى، وجعل فيها اللوز ووضعت بين أيدي الناس، ووضع بين يدي المنذر طبق من رطب على جهته فكانت الفرس تأكل الرطب باللوز الذي فيه، والمنذر يأكله