من أمراء الترك ببغداد في سنة ثمان وتسعين وأربعمائة لجأ إليها قوم أمراء من كبراء أمراء الترك، فعفا عمن لجأ إليها واستجار بها احتراما له.
وحدثني جماعة من أهل بغداد ممن يخبر الأمور بها أن المستجيرين بهذه الدار - عمرها الله - يخرجون فيجلسون في شارعها ويمر طالبوهم بازائهم مجتازون فيقاولونهم ويتهاترونهم ويغشون بهم ثقة منهم بعز الملجأ الذي لجئوا إليه والمعقل الذي اعتصموا به، وتحصنوا فيه وينصرف أولئك عنهم بأيد قصيرة وعيمن حسيرة، ففي الوصول إليها نجاة الجاني وفكاك العاني.
حمتها مهابتُهُ في القلوب ... فصارت بذاك حريمُ الحريمِ
إذا ما أتى بابها خائفٌ ... حلَّ منه محل النَّجومِ
هذه صفت دار له هو بعيد منها ونأى عنها فأما ربعة الذي هو فيه ساكن وبه قاطن فهو عدة الوزراء وأصحاب المناصب والأكابر، وذوي المراتب مصور في أنفسهم إنهم متى نكبهم أمر أو نكبهم دهر كان ملجأهم ومفزعهم لا يأهلون لذلك غيره وتطمئن أنفسهم إلى سواه، فلو قصد قاص آلنا تعديد الأماثل وتسمية الأكابر الذين لجئوا إليه واستجاروا به لطلب معوزاً ورام معجزاً. فمن المستحق للتسمية بملك العرب من عجز أن يجير جانياً على رجل من اللأعراب قدر جنايته خدش أم تجير دار على الملوك والأمراء وأصحاب الأطراف الجناة المنسوب إليهم الجنايات العظيمة من القدح في الدول وما جرى مجرى ذلك، ومن المستحق أن يوصف بقول الشاعر:
متى يجر خائفاً تأمن مسارحه ... وإن يخف آمناً تقلق به الدارُ