لحق النعمان قوم من أصحابه فحيوه بتحية الملك، والشيخ يسمع فعرف إنه النعمان. ثم قال له النعمان: كيف قلت يا شيخ؟ قال أبيت اللعن والله ما أعرف شيخا أكذب ولا آلام ولا أوضح من شيخ بين يديك، فاصفح عنه وأجاره ووصله. وركب يوم بؤسه فلقي عبيد أبن الأبرص الأسدي متوجها لبعض شأنه، وقيل بل كان قاصدا ألي ووافدا عليه، فقال: أنشدني يا عبيد. فأحس عبيد بأسراهم فقال: حال الجريض دون القريض، فقال أنشدني قولك أقفر من أهله ملحوب، فقال:
اقفر من أهله عبيد ... فاليوم لا يبدي ولا يعيد
فقال: أختر أي قتلةٍ شئت، فقال: اسقني الراح حتى الثمل وأفصدني الأكحل ففعل ولطخ بالغريين دمه. وقيل إن عمر عبيد يومئذٍ كان قد زاد على ثلاثمائة سنة، وقبح هذا الفعل من النعمان أشهر من إن يدل عليه، يعفو عن ذلك الشيخ ويأتيه رجل من العرب حسيب نسيب كبير السن شريف القبيلة وافداً عليه يرجو صلته، ويطلب جائزته قد قطع ألي المفاوز وعمل فيه المدائح، وأحسن به الظن، 147 وأوجب عليه حرمة الناس فلما لقيه وظن إنه قد نال مناه م بلغ ما أمله ورجاه قدمه فقتله بغياً وعتواً وتجهلاً، وهذا كما قال طرفة لعمه عمرو بن هند في مثل ذلك:
أبا منذر جازيت بالود سخطةً ... فماذا جزاء المبغض المتبغض