وقد روى عطاء بن يسار - رحمه الله - أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أستأذن على أمي؟ قال: نعم، قال: فإني أخدمها، قال: استأذن عليها، فعاوده ثلاثاً، فقال صلى الله عليه وسلم: أتحب أن تراها عريانة؟ قال: لا، قال: فاستأذن عليها.

(فإن لم تجدوا فيها أحداً) يعني يأذن لكم (فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم) . ولا يجوز أن يتطلع إلى المنزل، ليرى من فيه فيستأذنه إذا كان الباب مغلقاً؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إنما جعل الاستئذان لأهل البصر" إلا أن يكون الباب مفتوحاً؛ فيجوز أن ينظر إذا كان خارجاً منه؛ لأن صاحبه بالفتح قد أباح النظر.

(فإن قيل لكم: ارجعوا، فارجعوا، هو أزكى لكم) وهذا إن كان بعد الدخول عن إذن، لزم الانصراف وحرم اللبث، فإن كان قبل الدخول، فهو رد للإذن، ومنع من الدخول، ولا يلزمه إلا الانصراف عن موقفه.

وقال تبارك وتعالى: (ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتاً غير مسكونة) قيل: الخانات المشتركة ذوات البيوت المسكونة، وقيل: حوانيت التجار، وقيل: منازل الأسفار، ومناخات الرحال التي يرتفقون بها مارة الطريق في أسفارهم، وقيل: الخرابات المعطلة، وقيل هي بيوت مكة (فيها متاع لكم) فلا يلزم الاستئذان في هذه المنازل.

وقال تبارك وتعالى: (كما أخرجك ربك من بيتك بالحق) .

قيل: كما أخرجك ربك من مكة إلى المدينة بالحق مع كراهة فريق من المؤمنين، كذلك ينجز وعدك بنصرك على أعدائك.

وقيل: في قوله تعالى: (بالحق) قولان: أحدهما: أنك خرجت ومعك الحق، والثاني: أنه أخرجك بالحق الذي وجب عليك.

وقال تبارك وتعالى: حكاية عن المشركين: ( [وقالوا] لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعاً [أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيراً. أو تسقط السماء - كما زعمت - علينا كسفاً، أو تأتي بالله والملائكة قبيلاً] أو يكون لك بيت من زخرف) .

قيل: الزخرف: المنقوش، وقيل: الذهب.

قال مجاهد: لم أكن أدري ما الزخرف، حتى سمعنا في قراءة ابن مسعود - رضي الله عنه - "بيت من زخرف" وأصله من الزخرفة، وهو تحسين الصورة، ومنه قول الله - عز وجل -: (حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت) .

والذين قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم هذا القول نفر من قريش، قال ابن عباس - رضي الله عنه -: وهم عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة، وأبو سفيان، والأسود بن المطلب بن أسد، وزمعة بن الأسود، والوليد بن المغيرة، وأبو جهل بن هشام، وعبد الله بن أبي أمية، والعاص بن وائل، وأمية بن خلف، ونبيه، ومنبه ابنا الحجاج.

وقال تبارك وتعالى: (: لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم) فيه قولان: (الأول) : لو تخلفتم لبرز الذين كتب عليهم القتل، ولم ينجهم قعودهم.

والثاني: لو تخلفتم لخرج منكم المؤمنون، ولم يتخلفوا بتخلفكم، ويكون معنى قول الله عز وجل: (الذين كتب عليهم القتل) أي فرض عليهم القتال، فعبر عنه بالقتل، لأنه يئول إليه، إما بالظفر، أو بالشهادة.

وقال الله تبارك وتعالى: (ويستأذن فريق منهم النبي، يقولون: إن بيوتنا عورة) .

قال السدي: الذي استأذنه صلى الله عليه وسلم منهم رجلان من الأنصار: أبو عرابة بن أوس، وأوس بن قيظي، ورجع ثمانون رجلاً بغير إذن.

(يقولون إن بيوتنا عورة) أي قاصية من المدينة، نخاف على عورة النساء والصبيان من السبي.

وقيل: أي خالية، ليس فيها إلا العورة من النساء.

وقيل: مكشوفة الحيطان يخاف عليها السرق والطلب، والعرب تقول: أعور منزلك، إذا ذهب ستره، أو سطق جداره، وكل ما كره انكشافه عندهم فهو عورة.

(ولو دخلت عليهم من أقطارها) أي لو دخل على المنافقين من أقطار المدينة ونواحيها، (ثم سئلوا الفتنة لآتوها) قيل: سئلوا القتال في العصبية، لأسرعوا إليه.

وقيل: لو سئلوا الشرك لأجابوا إليه مسرعين، (وما تلبثوا [بها] ) عن الإجابة إلى الفتنة (إلا يسيرا) وقيل: ما لبثوا في المدينة إلا قليلاً حتى يعذبوا.

وقال الله تبارك وتعالى: (يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين) .

قيل: بأيديهم، لنقض الموادعة، وأيدي المسلمين بالمقاتلة.

وقيل: بأيديهم في تركها، وبأيدي المؤمنين بإجلائهم عنها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015