ولا ذكر الرحمن يوماً وليلة ... ملكناك فيها لم تكن ليلة القدر
وقال آخر:
صبر الأديب على الهوان مذلة ... ما للأديب يرى بدار هوان
أرضى الإله لخلقه مبسوطة ... والرزق مقسوم بكل مكان
وقال آخر:
لا أوطن الدار إيطان البعير إذا ... كانت حوادث فيها لا تواتيني
أكلما أخطأت يوماً يدي قدمي ... هويت عندك في زوراء ترديني؟!
وقال آخر:
وليس اقتنائي سمرقند محلة ... ودار مقام لاختيار ولا رضى
ولكن قلبي حل فيها فعاقني ... وأقعدني بالصغر عن فسحة الفضا
وإني ممن يرقب الدهر راضياً ... بيوم سرور غير مغرى بما مضى
وقال آخر:
أحب الدار تسكنها سليمى ... وإن كانت تواريها الجدوب
وما دهري بحب تراب أرض ... ولكن من يحل بها حبيب
وقال عنترة بن شداد العبسي:
هل غادر الشعراء من متردم ... أم هل عرفت الدار بعد توهم
(ردمت الشيء، إذا أصلحته، يقول: ما ترك الشعراء من معنى إلا وقد سبقوا إليه:
يا دار عبلة بالجواء تكلمي ... وعمي صباحاً دار عبلة واسلمي
ولقد حبست بها طويلاً ناقتي ... أشكو إلى سفع رواكد جثم
حييت من طلل تقادم عهده ... أقوى وأقفر بعد أم الهيثم
وقال جرير بن عطية:
لمن رسم دار هم أن يتغيرا ... تراوحه الأرواح والقطر أعصرا
وكنا عهدنا الدار والدار مرة ... هي الدار إذ حلت بها أم يعمرا
ذكرت بها عهداً على الهجر والقلى ... ولابد للمحزون أن يتذكرا
وقال عمر بن أبي ربيعة المخزومي:
أفي رسم دار دارس أنت واقف ... بقاع تعفيه الرياح العواصف
وقفت بها، لا من أسائل ناطق ... ولا أنا إذ لم تنطق الدار صادف
ولا أنا عمن يألف الدار ذاهل ... ولا التبل مردود ولا القلب عازف
وقال حارثة بن بدر الغداني:
سلم على الدار أقوت بعد آباد ... قفراً بطارف أعلى ذات إمهاد
الدار لم يبق منها ريثما لقيت ... إلا مضارب أطناب وأوتاد
كأنها بالفيافي يوم مطلعها ... من بطن ذات السنا أخلاق أبراد
فما تبينتها حتى وقفت بها ... وطال بالطرف إفراعي وإصعادي
فانهلت العين من عرفانها سكباً ... نضح السقاة لجم ماء أعداد
فظلت كالشارب النشوان محتبساً ... يوماً طويلاً على عنس وأقتاد
أراسل الطرف وهناً ثم أعطفه ... في متشتى ومصطاف ومرتاد
إذ لا النوى بين أهلينا مفرقة ... ولا المكتم من أسرارنا باد
وقال آخر:
دار علا دور الملوك بهاؤها ... كعلو صاحبها على الأملاك
فكأنها من حسنها وعلوها ... بنيت قواعدها على الأفلاك
وقال رجل من عبس - من أهل الكوفة تحول إلى أخواله جعف -:
لما نبت داري نبوت بها ... فتركتها ونزلت في جعف
فحللت في عز وتكرمة ... بمحل بين العين والأنف
هذا من قول النبي صلى الله عليه وسلم: "عمار جلدة ما بين عيني وأنفي" يعني عمار بن ياسر رحمه الله.
قال الله تبارك وتعالى: (إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً، وهدى للعالمين) . قال مجاهد - رحمه الله -: تفاخر المسلمون واليهود، فقالت اليهود: بيت المقدس أفضل، وقال المسلمون: بل الكعبة أفضل، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
ولا اختلاف بين أهل السير أنه أول بيت وضع للناس، واختلفوا: هل كان أول بيت وضع بغيرها على قولين: أحدهما: أنه قد كان قبله بيوت كثيرة، وهو قول علي بن أبي طالب رضوان الله عليه، والحسن رضي الله عنه.
والثاني: أنه لم يوضع قبله بيت، وهو قول مجاهد وقتادة.
وروى عن أبي ذكر - رضي الله عنه - أنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي بيت وضع في الأرض أول؟ قال: المسجد الحرام. قلت: ثم أي بيت؟ قال: بيت المقدس. قلت: كم كان بينهما؟ قال: أربعون سنة.
وقال الله تبارك وتعالى: (وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل) .
أول من دله الله - عز وجل - على مكان البيت - بعد آدم - إبراهيم عليهما السلام، وهو أول من بناه مع إسماعيل عليه السلام، وأول من حجه، وغنما كانوا قبله يصلون نحوه، ولا يعرفون مكانه.