فلما بدا لي اليأس عديت ناقتي ... عن الدار، واستولى على عزائي

وقال آخر:

ليت الديار التي تبقى فتحزننا ... كانت تبيد إذا ما أهلها بانوا

بانوا فأفئدة فيهم معذبة ... لو خلفوها لدناهم كما دانوا

ينأون عنا، وما تنأى مودتهم ... فالقلب رهن لديهم أينما كانوا

وقال آخر:

ولقد مررت على ديارهم ... وطلولها بيد البلى نهب

فوقفت حتى عج من لغب ... نضوى، ولج بعذلي الركب

وتلفتت عيني، فمذ خفيت ... عني الطلول تلفت القلب

وقال سيدوك الواسطي (وتنسب إلى الرستمي) :

مررنا بأكناف العقيق فأعشبت ... أباطح من أجفاننا ومسايل

فمن واقف في جفنه الدمع واقف ... ومن سائل في خده الدمع سائل

وكادت تناجينا الديار صبابة ... وتبكي

كما نبكي عليها

المنازل

وقال أبو نواس:

لمن الديار تسربلت ببلاها ... أنستك رؤيتها، وما تنساها

لا تكذبن فما أراك بمنته ... عنها، وإن خبرت أن ستناهي

وقال أبو العلاء [أحمد بن عبد الله] بن سليمان المعري:

علام هجرت شرق الأرض حتى ... أتيت الغرب تختبر العبادا

فإن تجد الديار كما أراد ال ... غريب، فما الصديق كما أرادا

إذا الشعرى اليمانية استقلت ... فجدد للشآمية الودادا

فللشام الوفاء، وإن سواه ... توافي منطقاً غدر اعتقادا

ظعنت لتستفيد أخاً وفياً ... وضيعت القديم المستفادا

وقال ابن الزقاق - من شعراء الأندلس -:

حننت إلى الديار، ولي حنين ... إلى الأحباب، ليس إلى الربوع

ولو أني أحن إلى مغاني ... أحبائي حننت إلى ضلوعي

روى أن المجنون قيس بن الملوح لما اختل عقله كان يخرج، فيأتي الشام، فيقول: أين أرض بني عامر؟ فيقال له: أين أنت من أرض بني عامر؟ عليك بنجم كذا فسر عليه، فينصرف، ويسير حتى يأتي أرض بني عامر، فيقف عند جبل لهم يقال له: "التوباذ" وينشد:

وأجهشت للتوباذ لما عرفته ... وكبر للرحمن حين رآني

فأذريت دمع العين لما رأيته ... ونادى بأعلى صوته فدعاني

فقلت له: أين الذين عهدتهم ... حواليك في أمن وخفض مكان؟!

فقال: مضوا، واستودعوني ديارهم ... ومن ذا الذي يبقى على الحدثان؟

وقال القاضي المهذب أبو محمد الحسن بن علي بن الزبير أحد شعراء مصر:

لكم خيال في الجفون ممثل ... أبداً، وذكر بالفؤاد موكل

وإلى دياركم نحن صبابة ... ونفض أوعية الدموع ونرسل

تلك المنازل ما تمر سحابة ... فهمي بها إلا وعين تهمل

ما ضرها إذ ينزلون ربوعها ... ألا يرى "فيها لعلوة منزل"

وقال السننبسي:

وإني كلما زاد التياحي ... إليك وأضرم القلب الخفوق

أمر على دياركم وإني ... بمن أمسى بها صب مشوق

وأومي بالتحية من بعيد ... كما يومي بإصبعه الغريق

وقال أبو تغلب، الحارث بن غنم العدواني:

ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة ... بحوزة أو بالجزع أو بقران؟!

وهل أرين تلك الديار التي بها ... نداماي قدماً حيث كنت أراني؟!

وقال عدي بن الرقاع العاملي:

ليت شعري: هل تخبرني الديار ... بيقين عن أهلها أين ساروا؟

أسفاً هيجت فمالك منها ال ... يوم إلا تفجع وإدكار

دار حي تقادم العهد منها ... بعد حضارها، فبارت وباروا

صادفوا من غوائل الدهر غولاً ... بعد ما أنجدوا سنيناً وغاروا

فكأني من ذكرهم خالطتني ... من فلسطين بنت كرم عقار

وقال عبد الله بن قيس الرقيات:

هل للديار بأهلها علم؟! ... أم هل يبين فينطق الرسم؟!

يا صاح هل أبكاك موقفنا ... أم هل علينا في البكا إثم؟!

أم ما بكاؤك منزلاً خلقا ... قفراً يلوح كأنه الوشم؟

وقال النابغة الجعدي، واسمه قيس بن عبد الله بن عمرو بن عدس بن ربيعة بن جعدة:

ألا يا ديار الحي بين محجر ... إلى جانب القمري كأنه لم تغير

وقفت بها لا أنت قاض لبانة ... ولا اليأس يشفي حاجة المتذكر

ألا أيها الباكي على ما يعوله ... تجمل على ما يحدث الدهر واصبر

طور بواسطة نورين ميديا © 2015