الله عليه وسلم حين أصبحوا، فقالوا: لقد طرق صاحبنا الليلة، وهو سيد من ساداتنا، فقتل غيلة بلا جرم، ولا حدث علمناه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم "إنه لو قر كما قر غيره ممن هو على مثل رأيه ما اغتسل، ولكنه نال منا الأذى وهجانا، ولن يفعل أحد منكم مثل فعله إلا كان له السيف" ودعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن يكتبوا بينهم كتاباً ينتهون إلى ما فيه، فكتبوا بينهم وبينه صلى الله عليه وسلم كتاباً في دار رملة بنت الحدث، وخافت يهود من يوم قتل كعب بن الأشرف.

"قلت: اقتضت الآية ذكر قتل كعب بن الأشرف فذكرته، وإن لم يكن مما قصدت له". قوله - عز وجل -: (للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم) ... الآية. يعني تعالى بالمهاجرين: من هاجر عن وطنه من المسلمين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى دار الهجرة - وهي المدينة - خوفاً من أذى المشركين، ورغبة في نصرة نبيه صلى الله عليه وسلم فهم المقدمون في الإسلام.

(يبتغون فضلاً من الله ورضواناً) : يعني فضلاً من عطاء الله تعالى في الدنيا، ورضواناً من ثوابه في الآخرة.

وروى علي بن رباح اللخمي، أن عمر بن الخطاب - رضوان الله عليه - خطب بالجابية فقال: من أراد أن يسأل عن القرآن فليأت أبي بن كعب، ومن أراد أن يسأل عن الفرائض، فليأت زيد بن ثابت، ومن أراد أن يسأل عن الفقه، فليأت معاذ بن جبل، ومن أراد أن يسأل عن المال فليأتني، فإن الله تعالى جعل له خازناً وقاسماً، فإني باد بأزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم فمعطيهن، ثم بالمهاجرين الأولين أصحابي، أخرجنا من ديارنا وأموالنا. قال قتادة: لأنهم اختاروا الله ورسوله صلى الله عليه وسلم على ما كانت من شدة حتى ذكر لنا أن الرجل كان يعصب على بطنه الحجر ليقيم صلبه من الجوع، وكان الرجل يتخذ الحفيرة في الشتاء دثاراً ماله دثار غيرها. رضوان الله عليهم أجمعين.

وقوله - عز وجل -: (قال نوح: رب لا تذر على الأرض من الكافرين دياراً، إنك إن تذرهم يضلوا عبادك، ولا يلدوا إلا فاجراً كفاراً) في قوله (ديارا) وجهان: أحدهما: يعني أحداً، والآخر: من يسكن الديار.

قيل: إن رجلاً من قوم نوح عليه السلام مر به، وعلى كتفه ولد له صغير فقال لابنه: احذر هذا فإنه يضلك - يعني نوحاً عليه السلام - فقال الصبي لأبيه: أنزلني، فأنزله عن كتفه، فرمى نوحاً عليه السلام فشجه، فحينئذ غضب نوح عليه السلام، ودعا عليهم.

وقيل: لما أنزل الله - عز وجل - عليه: (إنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن) دعا عليهم.

عن أبي بريدة عن أبيه - رحمه الله - قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمهم إذا دخلوا المقابر أن يقول قائلهم: السلام عليكم يا أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية.

قال الخنوت، وهو توبة بن مضرس:

رحلت حرام عن البلاد فلن ترى ... أخرى المنون بها وجوه حرام

ولقد نرى بالجزع منهم مجلساً ... ضخماً، ومبرك جامل قمقام

أضحت ديار بني أبيك كأنها ... بالبرقتين تخط بالأقلام

فاترك بكاءك في الديار فقد قضت ... عيناك نحبهما من التسجام

وفي بني حرام يقول رؤبة بن العجاج:

أقفرت الوعساء من حرام ... وقد يكونون ذوي أحلام

بها، وأحياناً ذوي عرام ... فإن تكن سوايق الأيام

ساقتهم للبلد الشآمي فبالسلام ثم بالسلام

وقال التهامي:

ماتت لفقد الظاعنين ديارهم ... فكأنهم كانوا لها أرواحاً

ولقد عهدت بها ... فهل أرينه

مغدى لمنتجع العلى ومراحا

وقال آخر:

أين أهل الديار من قوم نوح ... ثم عاد من بعدهم وثمود

بينما هم على النمارق والديبا ... ج أفضت إلى التراب الخدود

وقال كثير بن عبد الرحمن الخزاعي:

لمن الديار بأبرق الحنان ... فالبرق فالهضبات من أدمان

أفوت منازلهم وغير رسمها ... بعد الأنيس تعاقب الأزمان

فإذا غشيت لها ببرقة واسط ... ولواء بينة منزلاً أبكاني

وقال أبو نواس - الحسن بن هانئ -:

لقد طال في رسم الديار بكائي ... وقد طال تردادي بها وعنائي

كأني مريغ في الديار طريدة ... أراها أمامي تارة وورائي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015