وذكر العتبي أن الشعر للحارث بن الحارث، أحد بني عامر بن صعصعة، وكان له نديمان: أحدهما من بني أسد، والآخر من بني حنيفة، فمات أحدهما، فكانا يشربان ويصبان على قبره، ويقول أحدهما:

لا تصرد هامة عن شربها ... واسقه الراح وإن كان قبر

كان حراً فهوى فيمن هوى ... كل عود ذي شعوب ينكسر

ثم مات الآخر، فكان الثالث يشرب عند قبريهما، وينشد:

خليلي هبا طال ما قد رقدتما ... أجدكما ما تقضيان كراكما؟

الأبيات وقال أعرابي:

ألا يا دهر أفرش عن شريدي ... فقد أدركت مني ما تريد

[أفرش] أي كف:

ذهبت بسالم، وأبي سنان ... فما للرزء بعدهما مزيد

تصيب أقاربي، وتحيد عني ... ومن حولي التخوف والوعيد

ومن تكن المنية غيبته ... فسوف على تفيئته تعود

[تفيئته] : هكذا رأيتها بخط الوزير أبي القاسم بن المغربي، وكنت أظنها "بقيته".

كان محمد بن صالح بن عبد الله بن موسى بن عبد الله بن حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب - رضوان الله عليهم - لما من عليه المتوكل، وأخرجه من الحبس سلمه إلى الفتح بن خاقان، وضمنه إياه ألا يفارق "سر من رأى" فكان مقيماً بها يلتمس الرجوع إلى الحجاز، فلا يقدر، وكان مألفاً لسراة الناس، ووجوه أهل البلد، وكان كثير الأنس بسعيد بن حميد، لا يكاد يفارقه، وفي سعيد يقول محمد بن صالح:

أصاحب من صاحبت ثمت أنثني ... إليك

أبا عثمان

عطشان صاديا

أبى القلب لم ينقع بهم وهو حائم ... إليك، وإن كانوا الفروع العواليا

وإنا إذا جئناك لم نبغ مشراً ... سواك، وروينا العظام البواليا

فتوفى محمد بن صالح ... رحمه الله

بسر من رأى، فجزع عليه سيعد، وقال يرثيه:

بأي يد أسطو على الدهر بعدما ... أبان يدي عضب الذبابين قاضب

وهاض جناحي حادث جل خطبه ... فسدت على الصبر الجميل المذاهب

ومن عادة الأيام أن صروفها ... إذا سر منها جانب ساء جانب

لعمري لقد غال التجلد أننا ... فقدناك فقد الغيث، والعام جادب

وما أعرف الأيام إلا ذميمة ... ولا الدهر إلا وهو بالثأر طالب

لعمري لئن كان الردى بك فاتني ... فكل امرئ يوماً إلى الله ذاهب

لقد أخذت مني النوائب حقها ... فما تركت حقاً على النوائب

ولا تركتني أرهب الدهر بعد ... لقد كل عني بابه والمخالف

سقى جدثاً أمسى الكريم ابن صالح ... يحل به دان من المزن ساكب

لما ظهر عبد الله بن يحيى الكندي الإباضي، الملقب بطالب الحق، واستولى على صنعاء، وكثير من بلاد اليمن، جهز أبا حمزة في جيش من الإباضية فيهم أبرهة بن الصباح، وبلج بن عقبة، فاستولى على المدينة ومكة، فجهز إليه مروان بن محمد عبد الله بن عطية، فلقيه أبو حمزة بوادي العفرة، فقتل أبا حمزة من معه، واستولى عبد الله بن عطية على عسكرهم، وحاز غنائمهم، وبلغ ذلك عبد الله بن يحيى الملقب بطالب الحق، وهو بصنعاء، فسار يريد عبد الله بن عطية وبلغ مسيره ابن عطية، فسار إليه، فالتقى العسكران فظفر به عبد الله بن عطية وقتل عبد الله بن يحيى الكندي، ومعظم جمعه، وتفرق من سلم منهم من القتل في البلاد، وبعث برأسه إلى مروان بن محمد، فقال عمرو بن الحصين العنبري يرثي عبد الله بن يحيى، وأبا حمزة، وأبرهة، وبلجا، وغيرهم ممن قتل من الإباضية:

هبت قبيل تبلج الفجر ... هند تقول

ودمعها يجري

إذ أبصرت عيني وأدمعها ... ينهل واكفها على نحري:

أنى عراك، وكنت عهدي لا ... سرب الدموع، وكنت ذا صبر

أقذى بعينك ما يفارقها ... أم عائر، أم مالها تذري؟!

أم ذكر إخوان فجعت بهم ... سلكوا سبيلهم على خبر

فأجبتها: من ذكر مصرعهم ... لا غيره، عبراتها تجري

في فتية صبروا نفوسهم ... للمشرفية والقنا السمر

تالله ألقى الدهر مثلهم ... حتى أكون رهينة القبر

أوفى بذمتهم إذا عقدوا وأعف عند العسر واليسر

متأهلون لكل صالحة ... ناهون من لاموا عن النكر

صمت إذا احتضروا مجالسهم ... أذن لقول جليسهم، وقر

طور بواسطة نورين ميديا © 2015