مشكوك فيه ومرسل، لا يزيله إلا نص كتاب أو سنة، فلا مطمع فيهما خطاب رفع الشك فيه محال، ثم قال: فأن قلت فهذا إقامة برهان على استحالة معرفته، قالوا: وإنما يقال لبعضها صغيرة بالإضافة إلى ما هو أكبر منها، ولا ذنب عندنا يغفر باجتناب ذنب آخر، بل كل ذلك كبيرة ومرتكبة في
المشيئة، ثم ذكر نحو ما قدمناه عن الحنفية من الاستدلال بهذا يقتضي أن خلافهم ليس بلفظي والله أعلم. فكيف يرد الشرع بما يستحيل معرفة حدّه، فأعلم أن كل مالا يتعلق به حكم في الدنيا فيجوز أن يتطرق إليه الإبهام؛ لأن دار التكيف هي دار الدنيا والكبيرة على الخصوص لا حكم لها في الدنيا من حيث أنها كبيرة بل موجبات الحدود معلومة بأسبابها (كالسرقة والزنا وغيرها)، وإنما حكم الكبيرة أن الصلوات الخمس لا تكفرها، وهذا أمر يتعلق بالآخرة والإبهام أليق به حتى يكون الناس على وجل وحذر فلا يتجرؤون على الصغائر اعتماداً على الصلوات الخمس، وكذلك اجتناب الكبائر. كلام الغزالي. وأما ما وقع للأستاذ أبي إسحاق الإسفرايني والقاضي أبي بكر والإمام ابن القشيري من أن كل ذنب كبيرة، وتقسيمهم الصغائر نظراُ إلى عظمة من عُصي بالذنب، فقد قالوا كما صرح الزركشي أن الخلاف بينهم وبين الجمهور لفظي. قال القرافي: وكأنهم كرهوا تسمية معصية الله صغيرة إجلالاً له عز وجل مع أنهم وافقوا في الجرح على أنه لا يكون بمطلق معصية، وأن من الذنوب ما يكون قادحاً في العدالة وما لا يقدح، وهذا مجمع عليه، وإنما الخلاف في التسمية والإطلاق، والصحيح التغاير لورود القرآن والأحاديث به، لأن ما عظم مفسدته أحق باسم الكبيرة، بل قوله تعالى: {إِن تَجْتَنِبُواْ. . .}، الآية صريحة في انقسام الذنوب إلى كبائر وصغائر، فلذلك قال الغزالي: لا يليق إنكار الفرق بينهما، وقد عرف من مدارك الشرع. أ. هـ. قال القرطبي عقب ما قرضا عنه: وأما الأصوليون، فقالوا لا يجب على القطع تكفير الصغائر، وإنما يحمل ذلك على غلبة الظن وقوة الرجاء ولا صغيرة عندنا. وقال القشيري: الصحيح أنها كبائر، ولكن بعضها أعظم وقعاً من بعض، فإذا نظرت أن نفس المخالفة لمن عصيت كانت الذنوب كلها كبائر، وعلى هذا يخرج كلام القاضي أبي بكر والأستاذ أبي إسحاق الإسفراييني وأبي المعالي والله أعلم.