خلص النظر من شوائبه، وصفا البحث من عواقبه. وارتفع الحاجز الذي قصد وانتفى العارض الذي تعرض، وجدت حقيقة هذه الحال من غير تجوز ولتا اختلاف. فالهوى من عوارض الطبيعة، والحب من علائق النفس، والعشق من محاسن العقل. وكل واجد من هؤلائ الذين سمينا هو صاحبه تفي موضعه، وحكمه بحكمه في مكانه. ومتى اقتص الفاضل الحكيم هذه الأوائل وساق إليها هذه الثواني رقي من الأدنى إلى الأشرف، وانتسب إلى الأقوى دون الأضعف، وهي كالطرق المذللة، والسلاليم الموصلة بخلانيتي وينسب بغيره؟ حتى إذا أنيل الفوز بمعانية الغاية التي هي الغرض الأول والمراد الأفضل، أدرج ما عدا ذلك كله إدراجاً، وطوى ما سواه طياً. وهذه كالرؤيا لا تأويل لها إلا رياضة الإنسان طبيعته؛ حتى لا يتم إلا ما ينبغي ولا يأتي إلا ما يحب، ولا يقول إلا ما يحق حنينه، لا يتطاول إلى ما ينحط عنه، ولا يتشرف بما يزدهيه، ولن يتم له ذلك أولاً وآخراً إلا بمواصلة العقل وصحبته والعمل برسمه والتسرع إلى قبول نصحه. والعقل وإن لم يكن بأسره عنده فمعه جزء ينزع بشرفه إلى أصله يضيء له بأنوار السيرة الفاضلة والأخلاق الحميدة، ويكف هوائج الطبيعة، ويحسم مواد العادة الرديئة، ويحث على استعدادها لا يستغني عنه في العاقبة، ويوزع العدل الذي هو صورته على الأحوال الراسخة والطارئة، ولن يتم هذا كله إلا بهذا الإنسان دون، يكون مهيئاً له بالأصل معرضاً له في الفرع.
ثم قال: ولأن تمت فيك ما أحياه الله لك، ولا تزعج على نفسك ما كفه الله عنك، وخذ بآداب أهل الحكمة نفسك وغذ بها روحك، واستر عليها عادتك، واجعل الخير كله إرادتك، ولا تكترث بسيلان طينتك، وذوي عودك، وتعادي أخلاطك، وتزايل أوصالك، وارتداد نفسك، ومفارقة إلفك، واستحالة عنصرك، وفساد مزاجك، ودوام اختلاجك، وتعذر