المقابسات (صفحة 261)

فإذا كان هذا في المثال الحسي على ما تجده من غير شك ولا مرية، فما قولك في الحقيقة العالية والغاية الآلهية والنهاية الأصلية؟! يا هذا إن الأمر لعظيم، وإن الشأن لخطير، وإن المطلوب لعزيز، وما هو إلا أن تصمد نحو السعادة بتطهير الأخلاق، وتجريد العادة، وإصلاح السيرة، وتقديم الجد في الرأي، وقصد العزم بالجزم، وتوخي العمل بما له مرجوع، في العاجل بالثقة، وفي الآجل بالحقيقة، مع الإشفاق على تضييع الزمان وتصرم العمر وتقطع أنفاس الحياة حتى تلقط المشتري والزهرة بيدك، وتخرق كل حجاب دونهما بجوهرك وتصير فوقهما بحقيقتك، وتنال حينئذ ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا سنح على بال أحد من الإنس. فليكن ميل مثلكم إلى الحكمة ميل من يتخذها مطية لدرك الأمل، فإنه سيجدها كنزاً نافعاً في آخر العمل لا ميل من عادل بها، وليسع بذكرها ويعرضها في أسواق الجهال، وينادي عليها بين السفهاء والأنذال، ويرضى بعرض الدنيا خلفاً وبدلاً عنها، فكل ما كان هذا دأبه فقد انغمس في بحر الشقاء وسقط في مثوى البلاء والفناء لا يرتجي لدائه برء، ولا لعلته شفاء، ولا لصرعتهه انتعاش، ولا لأسره فكاك. أخذ الله بنواصينا ونواصيكم إلى ما أعده للأخيار الأبرار. تحولوا عن هذه الدار بحسن الاختيار لا بقبح الاضطرار. والسلام.

تمت المقابسات ولواهب العقل المجد سرمداً، وصلاته وسلامه وتحياته وإكرامه على سيدنا محمد النبي المبعوث إلى الخلق كافة وآله، لا إله إلا الله، ولا معبود سواه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015