قيل له: فما المرؤة، فإنها تتبع الفتوة؟ فقال: هي القيام بخواص ما الإنسان يكون عليه محموداً وبه ممدوحاً، وهي أعني المرؤة أشد لصوقاً بباطن الإنسان، وأما الفتوة فهي أشد ظهوراً من الإنسان، فكأن الأولى أخص، والثانية أعم، أني لا فتوة لمن لا مرؤة له، وقد يكون ذو مرؤة ولا فتوة له، فإما إذااجتمعا فقد أخذ الحبل بطرفيه، وملك الأمر بجنوبه.
قيل له: إن الحسن بن وهب قال: غزل الصداقة أرق من غزل العلاقة. فما وجه هذا القول؟ قال: صدق، هذه نفثة فاضل قد أحس كمال الصداقة، لأنها مؤثرة بالعقل ومجراة على أحكامه ومحمولة على رسومه، فأما العلاقة فهي من قبيل الحس، والطبيعة عليها أغلب وآثارها فيها أبين. وفي الجملة ينبغي أن يعلم أن ذا الطبيعة مشاكل لذى الطبيعة، وكذلك ذو النفس مشاكل لذي النفس، وكذلك ذو العقل مشاكل لذي العقل، وهذه التفرقة لم تقع من جهة الطبيعة الأولى لأنها واحدة سارية في الجميع، ولكنها وقعت من جهة المواد والقوابل بالزائد والناقص، وهكذا الحال في النفس والعقل، لأن شأنهما أعلى ومحلهما أسنى وأسمى، وذلك أن الطبيعة إنما تنهي الشيء اليسير مما تجده وتحصله من ناحية النفس والعقل، والطبيعة نفس في الأصل، والنفس عقل في الأول، والعقل هو المبدأ، وكل هذا واحد إذا لحظت القوة القائمة والجود المنبجس، والواحد كل إذا لحظ الجود المحض ومتى