إذا كانت هذه النيابة على حد الكمال ولم تكن تليقينا من عامة الناس.
ثم قال: وليس معنى قولنا وحد فلان أنه قال هو واحد، هذا مفهوم العامة لا معقول الخاصة؛ بل معنى قولنا وحد أي عرفه واحداً، وعلمه واحداً، وأثبته واحداً، ووجده واحداً، لا لأنه نفى عنه الثاني والثالث فصاعد، وكيف ذلك، ولا ثاني له فينفي، ولكن لأنه واحد وحده، بل هو وحده واحد لا على سبيل تنسيق العبارة على عادة أصحاب اللفظ، لا على تعقيب يقتضيه إلف أكثر الخلق، بل على لحظ ذات لا شوب فيها وتجريد أنية لا نعت لها وإشارة إلى هوية لا عبارة عنها.
ثم قال: وهذا موضع يزيغ عنه العقل الإنسي، ويوسوس منه الإنسان العنصري، وذلك لأن العقل يجد العلة الأولى وجداناً على أتم صورة وأشرف نعت، وأبلغ قول، فيهش إليه ويتهالك عليه، قابلاً لفيضه، ومقتبساً من ذاته، وسابحاً في جوده، ومتشبها بحقيقته، ومناسباً بنعته، يتحلى به من كان به عاقلاً ومن كان به كاملاً على ما دونه وعزوفاً عما سواه، فلذلك يظن الإنسان إذا سما عقله إلى هذه الآفاق العلية ودنا نحو هذه الغايات البعيدة أنه خولط وجن وأنه وسوس، وهذا عار يحل على بؤبؤة العين وناظر الحدقة في حيث هذه الحدائق المؤنقة، والظلال الريحة، والثمرات الحلوة والنعمة الدائمة، والسعادة الحاصلة، والأمنية الشاملة.
قيل: ينزل قليلاً عن هذه الربوة فإنها قد أخذتنا عن درجاتنا ومقاماتنا إلى ما هيئنا لمعرفة هذه الدقائق والتوغل في هذه الأعماق ما الفتوة؟
قال: طهارة الحدة والطراوة في كل حال مباشرة، لأنها متى فقدت جاءت الخلوقة والرثاثة، ومن ذلك سمي الفتى فتى، والفتى فتياً لأن الكرم والمجد والجود والعفة والنجدة وكبر النفس وعلو الهمة وسائر خصال الفضل والخير غضة في كل زمان طرية في كل مكان، كان الطاهر بها والمطهر لها والمؤثر لأجكامها والمجدد لرسومها فتى وصاحب فتوة.