قيل له: فما الشغف؟ قال: قريب من الكلف، وهو أشد ارتفاعاً في ملازمته من الأول على أنا إن أنصفنا لم نقل في هذه الأسماء شيئاً لأن حدودها وحقائقها لم تنته إلينا صحيحة تامة غير مخرومة ولا مثلومة، وإنما نصفها ائتناسا بها وببعض علائقها لا إطلاعاً على جميع غوامضها وخوافيها، وعلى جميع ما دخل فيها وفي غمار أخواتها. فلتكن الحال معروفة عند المعيب والعائب إذا عثر على زلة لم يعر منها أحد من البشر وإن لطف عقله ورقت حاشية كلامه وتهودى سماع لفظه بسمع كلامه وتزين في بديع خطابته، ولا غضاضة على من إذا قصر قصر من جهة يشاركه فيها بنو جنسه.
قيل له: إنما الصداقة لغة، وهي أم هذه المقابسة.
فقال: صحة الظاهر بالموافقة، وسلامة الباطن من المخالفة، واستقرارها على حد المواصلة بالمناصفة والمساعفة والإيثار، مع الإهتمام بكل دقيقة وجليلة، والإحتياط في كل ما حرس أسباب القوى الزلفة، واطرح كل ما أشار إلى المؤنة والكلفة.
وقيل: إن رأيت زدت في المحبة كلاما؟ فقال: المحبة أريحية منتفثة من النفس نحو المحبوب لأنها تغذو الروح وتضني البدن ولأنها تنقل القوى كلها إلى المحبوب بالتحلي بهيئته، والتمني بحقيقته، بالكمال الذي يشهد فيه. فالشوق يتوفر عليه، والشوق شاغل عن كل ما عدا المشتاق إليه، وهو وقوة تسافر من هذا إلى هذا، زادها الأطراق والتفكير والوجوم والسهر والتتبع والتحير.
قيل: فما المعرفة؟ قال: إن كانت ضرورة فهي نتيجة الفطرة، وإن كانت استدلالاً فهي ثمرة الفطكنة، ولا بد فيها من البحث الطويل والعريض، والسماع الواسع