قرأت في أخبار الملك الحكيم الإسكندر أنه كتب إلى معلمه أرسطو طاليس يصف له ما رآى في مسيره إلى الهند تمن الأمور العجيبة، والأحوال الهائلة، فكان فيما كتب له: أيها الحكيم، إننا انتهينا إلى خليج من البحر من ورائه مدينة عظيمة من مدائن الهند، ورأينا في اللجة من ذلك الخيلج شيئاً ناشزاً بارزاً كهيئة الجزيرة فأردت عبوره فمنعني منه صديقي فليون وقال بل أعب أنا أولاً، فإن كان هناك مكروه وقع في دونك، فإنه إن هلك فليون وجد الإسكندر منه خلفاً، وإن فقد لاإسكندر، لا فقد، لم يكن على وجه الأرض خلف. فعبر فليون وعدة من خلاني وخلصاني، فإذا ذلك الذي رأينا في البحر دارة عظيمة من دوابه، فلما دنا أصحابي منها غاصت في البحر فاضطرب الماء وغشى الموج سفائن أصحابي فأغرقها، فلما شاهدت ذلك اشتد جزعي على صديقي فليون ومن غرق معه من خلاني، وانصرفت عن ذلك بقلب مصدوع، وطرف مولع بالدموع.
فسئل عند هذه الحكاية عن مسائل من شكل حقائق الصديق فأجاب عنها غير متكلف ولا متعسف بعد تفاد ظهر واستعفاء قدم وأخر.
وقال: كل مسألة من هذه المسائل تستوعب فكر النفس، وتفرق بال الإنسان، وتأخذ به في أقطار العلم، وتضله في قفار البحث؛ وما أحب أ، تسجل علي بكل ما يسمع مني، فرشائي قصير، ووردي ثمد، وحظي نزر.
فقيل له على ذلك: أخبرنا ما العشق؟ فقال: تشوق إلى كمال ما بحركة دالة على صبوة ذي شكل إلى شكله.
قيل له: فما المحبة؟ قال: هي منوال العشق، إلا إنها محاولة الحال إلى الإتصال، إتصالاً يرفع التميز رفعاً، ويقطع التحيز قطعاً، وتحدث الكلف، وتورث التلف.
قيل: فما الكلف؟ قال: كأنه اللزوم للشيء.