لا يُغمط. أكرم به من مرتاضٍ سالك، ومجتهد على غايات السابقين الأولين متهالك، وأشْهَب يروي مني عن مالك. قد لبس وقار المشيب في ريعان العمر القَشيْب، وأنصتت الآذان من صهيله المطيل المطيب، لمّا ارتدى بالبياض إلى نغمة
الخطيب، فسار بي الفرس المذكور سير المهيب الوقور بين تلك الأصحاب والأصدقاء والأحباب، فشاهدتُ نوراً خلاف العادة إشراقة، وعزَّ على ضوء النيرين لحاقه. عرفته البصائر قبل الأبصار، وأنكرته النواظر لعلو جوهر نوره على الأنوار، فأيقنت أنّ لله في أرضه المقدّسة من الأسرار، ما لا يظهر عليه من عباده إلاّ الأخيار، ولم نزل نسير بوقار وسكينة إلى أن دخلنا بحمد الله المدينة:
هي الدار لا أصحو بها من علاقة ... لأمرٍ لنا بين الجوانح مضمر
فجاد على أرجائها الغيث أنها ... منازل جيرانٍ كرامٍ ومعشر
ثمّ وصلت إلى منزل الأحباب، ومنزه الألباب ووفدت على تلك الأعتاب، (واستفتحت تلك الأبواب):
تركت هوى ليلى وسعدى بمعزل ... وعدت إلى تصحيح أول منزلِ
ونادت بي الأشواق مهلاً فهذه ... منازل من تهوى رويدك فانزلِ