خالع العُذر معها بملوم، قد نشأ على عفّة وصيانة وأمانة وديانة، فعظّم الله شأنه، ورفع بالعلم والعمل مكانته ومكانه، وأعلى به منار الهداية، ورزق الناس الانتفاع به في البداية والنهاية، فازدحموا على مورده والمورد العذب كثير الزحام، والتأموا بمعهده وحيث الكرم يزدحم الأنام، وأنشدوا لذي مشهده:
لقد حَسُنت بك الأيام حتّى ... كأنك في فمِ الزمن ابتسامُ
لم يزل يقطع الليل ساهراً، ويهش للجميل مبادراً، ويقطف من العلم أزاهراً، ويجمع إلى شرف الخلال خلال الشرف، ويقيم بشرفه في الخبر الحُجَّة على من قال لا خير في الشرف، ويعمر بالحسنات إناءه، ويتبع في القربات آباءه، بانياً كما بنوا، وبادياً من حيث انتهوا. فهو حبر الأكارم، وبحر المكارم، وتاج المَفاخر، وحجّة المُفاخر، ودليل كم ترك الأول للآخر، ولقد سبرت أحواله، وخبرت أفعاله وأقواله، فرأيت وشاهدت وعندما حمدت مشاهدي أنشدت:
وما زلت في الأخبار أسمع عنكم ... حديثاً كنشر المسك إذ يتضوع
فلمّا تلاقينا وجدت محاسناً ... من الفضل أضعاف الذي كنت أسمع
فلم أزل ملازماً حِلاله، متأملاً جَلاله، ومستحسناً خِلاله، وكأنني ما عملت