الرحلة إلاّ له، إلى أن فجر الفراق، وما رق وما راق، وتهيأ نفرنا، وتأتّى سفرنا، وأزِفَت النوى، وأثارت الجوى، فأخذت في الوداع، وشاع خبر الجواز وذاع، ولما استقلت نحائب الرفاق، وتهادينا تحف الأشواق، وتشاكينا روعة الفراق. وشددنا الأقتاب والأقتاد، وأعددنا الأهبّة والزاد، فبالغ في الإنعام واعتذر، وزود حتّى لم يذر، ثم خرج لوداعي إلى ظاهر البلدة، ومعه من أعيان أهل محلّته عدّة، وكذلك الشيخ الإمام البحر الهُمَام الحسيب النسيب، الآخذ من صدق المحبّة وصفاء المودّة بأوفر

نصيب. ذو الإخلاص والصفاء، والصدق والوفاء، مولانا السيد أبو البركات وفا، هو وبعض أخوته، وغالب أهل محلّته، وذلك كما مضى يوم الاثنين، ثم سرت أذري دمع العين، وآسي لشمل لا ينفك من روعة البين، وآسف لعهد كنت إليه استنمت، ولعيني في ظله أنمت، فيا لله كم سربلتني النوى سقما، وأصارت في عقلي لمما، وألبست جسمي مرضا، وسربلت قلبي من عناء، ثم جددتُ الوداع لذينك المحبين. وتجرّعت من فراقهما ما ليس بالهيّن، وأنشدت موجع الجنان مغروق الأجفان:

ما أنصفتني النائبات رمينني ... بمودّعين وليس لي قلبان

ثم حلفت عليهما وعلى من معهما بالرجوع، واندفعت أنشد في تلك (الربوع، وقد بلّ الثرى وبل تلك الدموع):

طور بواسطة نورين ميديا © 2015