وبالغوا في التأكيد وزادوا فلم يمكنني إلاّ المضي معهم إلى حيثما أرادوا، ولم تزل أهل محلّته يوافونا في الطريق زمرا، ويفدون علينا نفراً فنفرا، إلى أن نزلنا في ذلك المكان، وهو بالقرب من ضريح الشيخ علوان، فتلقّانا ولده بالسلام، وبالغ في الترحيب والإكرام، وأقمتُ عنده ثلاثة أيام، آخرها يوم الاثنين ثالث عشرين الحجّة الحرام، أجتلي في تلك الأيام وأجتلب، وأجتني ولا أجتنب، وأقتني لكل ما أحب:
فالكفُّ عن صلةٍ والأذن عن حسن ... والعينُ عن قُرّةٍ والقلبُ عن حائر
فوجدته درة بين النّاس مغفلة، وخزانة على كل فائدة مقفلة، وهدية من الدهر الضنين محتفلة، وحسنة من الدهر الكثير العيوب، ونوبة من الزمن الجمّ الذنوب، بما شئت من أدب يتألق، وفضل تتعطر به النسمات وتتخلّق، ونفس كريمة الشمائل والضرائب، وقريحة يقذف بحرها بدرر الغرائب وجواهر الرغائب، إلى خشية لله تحول بين القلوب وقرارها، وتثني النفوس عن اغترارها، ولسان يبوح بأشواقه، وجفن يسخو بدرر آماقه، وحرص على لقاء كل ذي علم وأدب، ومن
يمت إلى أهل الديانة والعبادة بسبب، مع نزاهة عن الدنيا، وهمّة نيطت بالثريّا، ولهجة ترقرق فيها ماء البشر فأحيا، وحيَّا ومحاضرة مستفزة للحلوم، ودُعَابة ما