مرتع، ولبرد العلة ألطف مشرع، فلم نزل به بقية تلك الليلة ثم من يومها إلى أن استوفى ميله، وأسرج للرحلة خيله، وشمّر للذهاب ذيله، فاقتفينا أثره في الرحيل، وشرعنا بين وَخْد وذَمِيْل، وقطع فرسخ بعد ميل، إلى أن أخذ منّا السهر، وشقّ جلباب الظلام سناء القمر، وصلنا إلى خان شيخون مستعيذين بالله من شر كل خؤون، فلمّا ابتسم وجه الشرق بعد التعبيس، وأسفر صبح يوم الخميس، نفس عنا تنفسه غاية التنفيس، فحصل لنا بنوره بعد الوحشة كل تأنيس، ثم استمرينا في ذلك المكان إلى أن حان وقت العصر وآن، ثم أخذنا نجوب تلك البراري، ونجول في هاتيك الصحاري، إلى أن احتجب النور وبرز الدَّيْجُور،
فارتعنا لإطلال الظلام وإقبال جيش حام، ثم اقتحمنا عساكره أي اقتحام، إلى أن أقبلت طليعة القمر من تلك الآكام، فحصل لجيش الظلام الانهزام، ودخلنا مدينة حَمَاة بسلام، وذلك ليلة الجمعة عشرين ذي الحجة الحرام، وكان منزلنا بظاهرها بالموقف، في مقعد عالٍ مشرف، إلى أن برز الفجر من خبائه، وملأ الخافقين بضيائه، فتلقّانا في ذلك المكان جماعة من الأعيان المنتسبين إلى الشيخ العارف علوان، وبلغونا سلام ولده الشيخ محمد واعتذروا عن عدم تلقّيه لنا بأنه أرْمَد، وقد تضاعف عليه الرَّمْد واشتدّ، لكنه قد صمّم وأكّد أن نحصل في مكان عَيَّنَهُ لنا وأفرد، وكانت الحُمَّى في ذلك الوقت قد اشتدّت، واحتدمت جداً واحتدّت، فلم يمكننا وقتئذٍ إجابة مرامهم، بل ولا جواب كلامهم، بل ولا ردّ سلامهم، فذهبوا ثم عادوا وقد كثروا وازدادوا،