وأرعى حبّكم ما دمت حياً ... وأرجو فضلكم في رعي حبي
ثم ركبت على المَحَارة، وخرج إلى وداعي غالب أهل الحارة، وكان النهار قد تحوّل، والليل قد عوَّل، وأسبل ذيله وأسدل، وأردف إعجازاً وناء بكَلْكَل، فوصلنا إلى خارج المدينة، وهم مشاة (بين يديّ) بسكينة، فجددنا هناك معهم الوداع، ثم
انقلبوا ما بين مثنٍ وداع، ونزلنا خارج المدينة في محل التبريز، في منزل عزيز، بديع التفويف والتطريز، ثم أقمنا في ذلك المحل يوم الأحد إلى أن تكامل السفر ولم يبق منهم بالمدينة أحد، فاتفقنا مع أولئك النفر أن يكون السير من ليلة الاثنين طلوع القمر، فحين كشف أدهم الليل، بأشقر من جياد الخيل، حمَّلنا الأحمال على تلك الأجمال، وأخذنا في التنقّل والارتحال.
ولمّا اتضح الصبح وبان، وبدا نوره للعيان، نزلنا بمنزل خان طومان، ونحن في غاية الدّعة والاطمئنان. وهو منزل فسيح الساحة، مستطيل المساحة، حاوٍ لأصناف النضارة والمَلاحة، فلما اكتهل شباب ذلك النهار، واعتراه بعد النضارة اصفرار، اخترنا عن ذلك المكان الرحلة، وصرمنا حبله وقطعنا وصله، وكان منتهى السير إلى سراقب، عند ظهور النجم الثاقب، وهجوم الظلام الواقب، من ليلة الثلاثاء سابع عشر الشهر، واستمرينا بذلك المكان يوم الثلاثاء إلى العصر، فلمّا حَيْعل داعي الصلاة، وأجابه إليها من دعاه، أخذنا في أهبّة الترحيل، وشرعنا في الشدّ والتحميل، وقطعنا بالسير عمر ذلك الأصيل، إلى أن وصلنا إلى مدينة المعرّة ثلث ليلة الأربعاء أو قبله بقليل، فنزلنا بظاهرها بمربع، فيه للخواطر منزع، وللدواب