هناك أيام التشريق، وليالي البيض) ذات الوجه الشريق، وكنّا قد بعنا بعض الخيل والبغال، واستخرنا الله تعالى في السفر مع الجمال، وكان قد تهيأ في تلك الأيام قفل كبير إلى بلاد الشَّام، فرددت الاستخارة، وجددت الاستشارة في السفر معه في المَحَارة، فجاء أكابر القفل إلينا وقالوا: أنت المؤمّر علينا وألقوا إلينا مقاليد الأمور، وقالوا: مُر متى شئت بالمرور، فكلٌّ منَّا بطاعتك مأمور، فوقع الاتفاق مع تلك الرفاق، أن يكون يوم الأحد منتصف الشهر التبريز إلى الوطاق، وكنت قد سئمت من النوى والشتات، وأزعجني خبر الجنّة تحت أقدام الأُمهات، وهمْتُ بالوطن هيام ابن طالب بالحوض والعطن، وحننتُ إلى تلك البقاع حنينه إلى أثلاث القاع وأخذت في الإزماع، وفاجأت الأصحاب بالوداع، وعزمتُ عزماً أذن للدموع بالانسكاب وللقلوب بالانصداع:

ويومَ وقفنا للوداع وكلُّنا ... يَعُدُّ مطيعَ الشوق مَنْ كان أجزما

نُصرت بقلبٍ لا يعنفُ في الهَوى ... وعينٍ متى استطمرتها أمطرَتْ دَمَا

فيا له وداعاً ذابت له الأجساد، والتهبت به الأكباد، وكاد يتصدع منه الفؤاد، ثم أنشدت أولئك المودّعين ما قاله بعض المتأدّبين:

أودّعَكم وأودِعْكم لقلبي ... وعَون الله حسبكم وحسبي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015