تيزين، فوصلناها عندما دخلت الشمس خدر الغروب، وتستّرت بسربها المحجوب، وأسبل الليل إزاره، وعمّ ظلامه الوجود وأقطاره. وهي بلدة قديمة، ذات عمائر عظيمة، وآثار معاهد مقيمة، فسيحة الأرجاء، صحيحة الهواء، ممتدة الغاية في الحسن والانتهاء، واسعة الرقعة، طيبة البقعة، سامية الارتفاع، مشرقة البقاع، مباركة الأغوار والتلاع، ممرّغة الجنبات، متنوعة النبات، ممدودة الظلال، مودودة الحِلال، مأمولة السعادة مسعودة الآمال، قد أخذت من كل المحاسن نَصيباً، وفوّقت إلى سهم الفضائل سهماً مُصيباً ومليت ظرفاً ونخباً، وأوتيت من كل شيء سبباً، فبتنا بها وقد عزمنا على الرحلة وأتينا صدقاتها نحلة.

ثم سرنا من ذلك المكان حين أبرز الأفق ذَنَب السِّرْحَان، وآن انبلاج الفجر وحان، (ليلة الأحد ثالث عشرين)، ثم أخذنا في المسير صباحاً إلى أن تعالى النهار وتضاحى، ودخلنا في معاملة الحلقة وقت الغداء، ونزلنا في قرية يقال لها تل عدا، فتلقانا أهلها بالسلام والترحيب والإكرام، وأنزلونا في بيوتهم، وأسهمونا في قوتهم، وتواردت علينا منهم الضيافات، وزالت عنّا بحمد الله تلك المخافات واطمأنت الأنفس وطابت الأرواح، وزال العناء وحصل الارتياح.

فأقمت بها إلى يوم الاثنين رابع عشرين القعدة وقت الصباح، فلمّا بدا بنوره ولاح، وملأ ضياؤه تلك البطاح، وكان ذلك المرض قد غلب، واشتدّ بأسه وخلب، وأذهب بالقوى وسلب، فاستخرت الله تعالى في المضي إلى حَلَب إذ لا تخلو

طور بواسطة نورين ميديا © 2015