من حبيب، ومن دواء وطبيب، فعسى يحصل فيه الإبلال، ويزول ذلك النصب والكلال، وينحلّ برم الحُمَّى بتلك الحِلال، فسرنا قاصديها تلك الساعة، ومشى معنا من تلك القرية جماعة، باذلين السمع والطاعة، متقربين إلينا بحسب الاستطاعة، إلى أن حططنا بها رحال الألمام، وخلعنا على عطف الصلاة برد الإتمام، وكان استقرارنا بها بين الصلاتين (من اليوم المذكور وهو الاثنين) في زاوية البيريّ المعروف بالشيخ حسين، فتلقّانا ولده صاحبنا الشِّهابي أحمد، أحسن ملتقى وأحمد، وأخلى لنا ثلاثة أمكنة وأفرد، وكنّا ظنّنا أنّ الدموع نفدت، وأنّ نيران القلوب خمدت،
فتراكمت من العيون سُحبها، وتزايد من القلوب كربها، وأخذنا بعد السلام في شرح ما فعلت الأشواق، وإن كانت الإحاطة بوصفه تكليف بما لا يُطَاق، ثم تسارعت إلينا للسلام سائر الإخوان، من العلماء والرؤساء والأعيان، فألفيتهم لم ينقص الله لهم عددا، ولا أراهم بالفراق شملاً مبددا، فسُرَّ الجميع بالاجتماع، وأقمنا كما كنّا على المذاكرة والانتفاع، وكأني ما مددتُ إليهم يداً للوداع، فنثروا من درّ الثناء منثوراً ومنظوماً، ونشروا من برود الثناء مطوياً ومكتوماً، فأنشدتهم:
إني وإن شطّ المزار وبددت ... أيدي النوائب شملنا المنظوما
لم أخل من حسن الثناء عليكم ... مذ غبت عنكم ظاعنا ومقيما
ولم أزل بتلك الحضرة أجتلي أنوار المحاضرة، وأجتني نوّار المذاكرة، وأستأنف ما عرفته من ولاتها، وأجدد العهد بعلمائها وفضلائها، غير أنّ ذلك المرض يقصر بي