هما من القرآن قطعاً. وأمّا ما نقل عن ابن مَسْعود أنّه أسقطهما من مُصْحَفه وأنكر كونهما قرآناً؛ فعنه أجوبة منها أنّ هذا النقل لم يصح عن ابن مَسْعود كما قال الفخر الرَّازيّ وابن حزم في المحلى وغيرهما، وعليه شيخ الإسلام محيي الدين النوويّ، ومنها أنّه إنّما أنكر كتابتهما لا كونهما قرآناً، لأنّه كانت السُّنَّة عنده أن لا يكتب في المُصْحَف إلاّ ما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإثباته فيه، ولم يجده كتب ذلك ولا سمعه أمر به، وعليه القاضي أبو بكر وغيره، واستحسنه ابن حَجَر ورد الجواب الأول بصحة النقل عن ابن مَسْعود بإسقاطهما من مُصْحَفه من طريق أحمد وابنه وابن حبّان والطبرانيّ وغيرهم، ومنها أنّه لم يستقر عنده القطع بأنهما من القرآن، ثم حصل الاتفاق بعد ذلك، وحاصله أنهما كانتا متواترتين في عصره، لكنهما لم تتواترا عنده لا أنهما تواترا بعد ذلك، لما يلزم عليه من أنّ القرآن أو بعضه ليس بمتواتر في الأصل، وهذا الجواب لابن الصبّاغ وهو حسن. وقال ابن قتيبة في مشكل القرآن: ظن ابن مَسْعود أنّ المعوذتين ليستا من القرآن
لأنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يعوذ بهما الحسن والحسين رضي الله عنهما فأقام على ظنه، ولا نقول إنّه أصاب في ذلك وأخطأ المهاجرون والأنصار، ومما يؤيد قوله رواية الدارقطنيّ والبزار عنه أنّه كان يحكِ المعوذتين من المصحف ويقول: إنما أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يتعوّذ بهما فأعجبه ذلك جداً وسألني في كتابته، ثم عَنّ لي كتابة شرح مختصر لطيف على البُرْدَة، فكتبته في مدّة يسيرة، وسميته الزُّبْدَة، وآخر على آية الكرسي محرر مطوَّل، ففرغ في مدة يسيرة وتكمل، وبيّضت للوزير نسخة بالأوّل، ففرح بها غاية الفرح، وسرّ كثيراً وانشرح، ثم اجتمع به قاضي العسكر قادري جلبي، فكلمه