واجتمعنا به بكرة الجمعة في بستانه بر الغَلَطَة، فحصل منه غاية التعظيم، ونهاية التبجيل والتكريم، وتلقاني إلى خارج الدار، وهو مظهر للسرور والاستبشار، فبادر كل منّا لصاحبه وسابق، وصافح واستلم والتزم وعانق، وحيّا بأطيب السلام، ووانس بأعذب الكلام، وسألني عن جماعة من أهل الشَّام، وترحم وترضّى على سيدي شيخ الإسلام، وتألم لفراقه وتوجع وحوقل لتلك المصيبة واسترجع ثم قال: هو باق وسره ما فات، فإن من خلف مثلك ما مات، فإنك نعم الخلف، كما كان رحمه الله نعم السلف، ونعتني بالعلم والفضل التام، وشهّرني بذلك عند الخاص والعام، وسألني ابتداءً منه فيما لنا من الحاجات والأشغال، لتقضى بإذن الله تعالى على أكمل الأحوال، والله تعالى هو المأمول، في المقاصد
كلها والمسؤول، في قضاء الحاجات جلّها وقلّها، وسألني عن محل النزول فقلت له الآن في عمارة السُّلطان محمد ويريد مولانا السيد أن ينزلنا عنده؛ فقد أخلى لنا مكاناً حسناً وأفرد، فقال: تقدمنا السيد وسبق، وإلاّ فنحن كنا بذلك أحق. وحصل منه من التواضع والرقة ما لا يعبر عنه ولم يصدر في حق أحد غيرنا منه ولله تعالى الحمد أهل الثناء والمجد، ثم اجتمعت به ببيته بالمدينة ثاني مرّة، فبالغ في الإكرام والمبرّة، وأظهر غاية البشر والمسرّة، وأهديت له مهاداة الأحباب، مُصْحَفاً معظماً بخط ابن البَوّاب، وبُرْدَة لطيفة، وسُبْحَة بَلُّور ظريفة، فقابل ذلك بالإقبال والقبول والتقبيل، وأنزل منزلة الكثير ذلك النزر القليل، وقرأ في المُصْحَف في أماكن عدّة، ثم قرأ بعض أبيات من البُرْدَة، وسألني عن معناها، فأجبته بأجوبة ارتضاها، وسألني: هل المعوذتان من القرآن قطعاً أو هما من قبيل التعوذ؟ فقلت له: