ثم جدّد البكاء بالانتحاب الزائد، لفراق شيخ الإسلام الوالد، فحرك لواعج أحزان لم تفتر ولم تهمد، وأضرم نيران أشجان لم تنطف ولم تخمد، فأخذ كل منّا من ذلك حظه وبلغ منه نصيبه، واسترجعنا وحوقلنا من تلك المصيبة، وتوجعنا وتألمنا من رشق سهامها المصيبة، ثم أخذنا نجول في ميادين مذاكرة، ونخوض في بحار محاورة، ونستخرج كمائن محادثة، ونستفتح خزائن منافثه، ونجتلي أبكار أفكار، ونجتذب أهداب آداب، ونقيد شوارد فوائد وأوابد فرائد، فمضى لنا من ذلك يوم:
أشفُّ من الليالي في صفاءٍ ... وأحلى من معاطاةِ الكؤوسِ
فلما استوت شمس ذلك اليوم، ومالت الرؤوس وقت القَيْلُولَة للنوم، خرجنا من عنده للسلام على صاحبنا وصديقنا وحبيبنا الشيخ الأوحد والإمام الأمجد ملا حاجي جلبي عبد الرحيم بن علي بن المؤيد، هو صدر من صدور أئمة الدِّين،
وكبير من كبراء الأولياء المهتدين، وقدوة في أفراد العلماء الزاهدين، حامل لواء المعارف، ومحرز التالد منها والطارف، محافظٌ على الكتاب والسُّنَّة، قائمٌ بأداء الفرض والسُّنَّة، حاملٌ لأعباء صلاح الأمة، باسطٌ للضعفاء وذوي الحاجات جناح الرأفة والرحمة، ذو أوْرَاد وأذكار يعمّر بها مَجَالسه، وأحوال وأسرار يغمر بها مُجالسه، وجدّ في العبادة، وجهد في الزهادة، ومواظبة صيام، وملازمة قيام: