فلما تنفس الصباح بعد ما أيسناه، وتحققنا أنّه في قيد الحياة، وأظهر نوره في الآفاق وسناه، وانجاب طيلسان الليل، وشمر للفرار من النهار الذيل، وستر كافور الفجر مسك الغياهب، وظهرت الشمس المنيرة على الأنجم الثواقب، قصدت منزل
مولانا المشار إليه، للسلام عليه والمثول بين يديه، فوجدته قد جدّ به ذلك المرض، وأثر في جسمه بعد ذلك الجوهر العرض، وأثقله حمل عبئه وبهض، فلما رآني اجتهد في القيام ونهض، فتلاقينا بالتقبيل والعناق، وتهادينا تحف الأشواق، وتشاكينا روعة الفراق، وحنَّ كل منّا حنين المغرم المشتاق، وحمدنا الله تعالى على ما منّ به من التلاق، وتسابقت شهب الدموع من الآماق، وتراكضت جارية في جوانب الأحْدَاق، وتراكمت من العيون سُحبها، وقضى من النحيب نحبها، وأنشدت لبعضهم:
ولما وقفنا للسلام تبادرت ... دموعي إلى أن كدتُ بالدمع أغرقُ
فقلتُ لعيني هل مع الوصلِ عبرة ... فقالت ألسْنَا بعدَه نتفرقُ
ولبعضهم:
ووقفتُ بين تأملٍ وتململٍ ... يبدو السرورُ على فؤادي الجازعِ
حيرانَ لا أدري لقربٍ رائق ... أذري المدامعَ أم لبعدٍ رائعِ