عقلنا نادَّهُ تفلت وتشرد، والقلب كلما آلمه القلق رفع عقيرته وأنشد:
هل إلى أن تَنَامَ عيني سَبيلُ ... إنَّ عهدي بالنومِ عهدٌ طويلُ
وقد توارد على القلب تقلقان، أنتجهما تحرقان، وأوجبهما تشوقان، أحدهما إلى الأهل والأولاد والأوطان، والثاني إلى مشاهدة مالك الروح والجنان والفؤاد السيد الكريم عبد الرحيم، والثاني أغلب وللأرق أجلب وللب أسلب، إذ لا يقاس الشاهد بالغائب، ولا يلتحق أفراد الجمع بقوة الواحد، ولا الداني الدار بالبعيد المزار:
وأبْرَحُ ما يكون الشوقُ يوماً ... إذا دَنَتِ الخيامُ من الخيامِ
وقد طال ذلك الليل مع قصره وعَسْعَس، وسألته عن صبحه فقال لو كان حياً لتنفس، كما قال المنشد وهو ابن مُنْقِذ رحمه الله تعالى:
ولرُبَّ ليل تاهَ فيه نجمُهُ ... قضيتهُ سهَراً فطَالَ وعَسْعَسَا
وسَألتهُ عن صُبحهِ فأجابني ... لوْ كانَ في قَيدِ الحياةِ تَنفَّسا